غيداء البياتي
إنه العام 2008 على وجه التحديد، حيث شاءت تقلبات الحياة حينها أن التحق بزوجي للعيش في دولة السويد، وكانت هذه هي تجربتي الأولى في الاختلاط بجنسيات مختلفة من أوروبيين ومغاربة وفلسطينيين وسوريين وغيرهم، لذا فلا بد أنني اذا حاولت الحديث عن انطباعاتي، فسوف يحتل أهل تلك المدينة، المقام الاول، فقد أمضيت من عمري قرابة سنتين ونصف السنة، والناس من حولي يحيطونني باحترام ومحبة، حتى لأكاد أقسم إنه طوال تلك الفترة لم يمر يوم، إلا وأنا أجلس معهم على وجبة غداء أو عشاء أو في أحد الأماكن العامة اجتمع مع أفراد أسرهم نتناول الطعام معا، ونسهر ونتبادل أطراف الحديث وكنت أشعر وكأني أحد أفراد العائلة، فلم اكترث يوما للغربة ولم اصاب بما يسمى «الهوم سك» إلا بضعة ايام وساعات حتى تعرفت عليهم.
يا لهؤلاء الناس الطيبين كم تستحضرهم روحي دائما بشوق واعتزاز كبيرين، فلم تكن زميلتي أم عدنان وعائلتها الكريمة المقيمة في السويد إلا نموذجا رائعاً لكرم العراقيين البصريين، فقد كانت هذه المرأة على مدى سني اقامتي في تلك المدينة تصر وبقوة على اصطحابي لمنزلها أو لبيت أختها ام كرار، التي تميزت هي الأخرى بضحكتها وحضنها الدافئ في كل مرة ترى بعيني الحزن والشوق لأهلي، هؤلاء الناس النبلاء يتمتعون بروح الفكاهة والتفاؤل، اذكر ذات مرة اخبرتهم بأني اشعر بالخوف من المستقبل والإقامة في هذا البلد دون أوراق تثبت لي ولزوجي العيش بسلام، ولسرعة البديهية لديهم قدموا لي أكثر من مقترح للبقاء في حالة رفض إقامتي دون ان أعود للعراق خالية الوفاض.
وما لم يقع في الحسبان يوما هو أن اشعر بأني دون سند أسري حقيقي، حيث صدمت بوصول بريد الى عنوان سكني في السويد ينص على إجبار زوجي للعودة إلى العراق، بعد حصوله على رفض إقامته للمرة الثالثة على التوالي، فكيف لي أن أبقى دون سند في حياة الغربة، حتى لو إني رزقت بأطيب الأصدقاء، فلم أنتظر قرار اقامتي واخترت مرافقة زوجي والعودة إلى الاهل في العراق، حيث السند الأسري، الذي يعد ظهر المرأة الذي لا ينكسر، وبالرغم من الكرم وطيب الكلام والمعشر للأصدقاء والأحباب، إلا أنهم في أوقات الشدة الحقيقية لا يمكن للمرأة أو لأي إنسان أن يلقي بحمله إلا على أهله ومن بعد الوالدين، فإن الاخوة والاخوات هم السند والظهر، الذي لا يمكن أن ينحني كما قال تعالى في الايه الكريمة: « سنشدد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا « صدق الله العظيم.