شيخ الطرائق.. أم عبيدة والإشعاع الروحي

اسرة ومجتمع 2023/07/22
...

  نصير الشيخ
نقرأ في سيرة الإمام أحمد بن علي الرفاعي، هو فقيه شافعي أشعري وصوفي عراقي. ويعد من أقطاب الصوفية وإليه تنسبُ الطريقة الرفاعية، ويلقب بـ{أبو العلمين» و{شيخ الطرائق» و{الشيخ الكبير» و{أستاذ الجماعة».
ولد في العام (1118م/ 512 هــ ) وتوفي عام (1182م/ 578هــ)، وتؤكد المصادر التاريخيَّة أن السيد «أحمد الرفاعي» يرجع نسبه الشريف الى الإمام «موسى الكاظم بن الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر بن الإمام علي زين العابدين بن الإمام الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب عليهم السلام أجمعين».
وقد ولد في قرية تسمى «حسن» تابعة لبلدة تسمى «أم عبيدة» هي من أعمال واسط، وسميت المنطقة باسمه (سيد أحمد الرفاعي) ويعدُّ مرقده مركزاً دينياً يستقطب الزائرين من كل الدول الإسلامية، ناهيك عن جميع محافظات العراق، ويبدأ التوافد على هذا الضريح المقدس يومي الخميس والجمعة من كل أسبوع، وتبلغ ذروتها أيام الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، إذ تشهد توافداً كبيراً للزوارالذين يؤدون طقوسهم وصلاتهم في مرقده، ولحضور أصحاب «الطريقة الرفاعية»، ما يشكل طقساً روحانياً عبر مديحهم وتجليات أرواحهم وإنشادهم القصائد والأشعار والأذكار في حب النبي وكرامات السيد الرفاعي. وتشكل أواوين الصحن مكاناً آمناً لراحة ومبيت الزوار من المحافظات والمناطق البعيدة، وساعة تدوين هذا التحقيق عن المرقد الشريف كان المئات يؤمون المرقد لزيارته تبركاً به وبكراماته، ويحضرون لليلة الموالد النبوي الشريف والذي بلغت أعداد زائريه أكثر من خمسة الآف زائر، ما شكل زخماً كبيراً على الطاقة الاستيعابيَّة للمرقد كمكان، واوقع سدنة الضريح في حرج تلبية الخدمات للزائرين، مطالبين الجهات المعنية بتوفير خدمات أكثر مع بناء مسقفات يستظل الزوار تحتها صيفاً وشتاءً، وأمكنة وصحيات تستوعب الأعداد المتزايدة منهم.
ونحن ندلف من البوابة الخشبية العالية للضريح باتجاه القبر الشريف، التقينا السيد علي حسين الرفاعي سادن (خادم) المرقد، تجاذبنا معه أطراف الحديث، عبر سؤالنا:
* منذ أي فترة وأنتم سدنة المرقد..؟ فأجاب قائلاً:
«نحن هنا سدنة المرقد الشريف هذا وخدام زواره من كل مكان، وتوارثنا سدنته أباً عن جد، ولدينا «فرمانات عثمانية» مصدقة تؤكد لنا الوصاية على المرقد، كان خلالها آباؤنا وأجدادنا يتقاضون رواتب بسيطة لتعزيز خدمة المرقد وتوفير احتياجات الزائرين من سقاية وإيواء الزائرين، وبمرور الزمن وتبدل الأحوال وانتهاء الحكم العثماني، متزامنة مع شح المياه لاندثار نهر «شط الأخيضر» الذي كان يشكل مورداً مائياً مهماً أحيا المنطقة في وقته، تفرقت أسرنا بعيداً عن المرقد الشريف لسنوات عدة».
وتمَّ ترميم المرقد ــ والكلام للسيد علي الرفاعي ـــ وتجديده أيام حكم الوالي العثماني «السلطان عبد الحميد» عام 1307 هــ، بهيئته وإيواناته ومنارته، وفي العام 1986، تمَّ وضع الصندوق الخشبي على القبر الشريف، وكانت الجدران والأرضية من الطابوق «الفرشي».
وسألنا السيد علي الرفاعي إنْ كان ثمة شيء ما يضمه المرقد الشريف ممكن قوله وتدوينه هنا، أجابناً قائلاً: «هناك روايات متواترة عن وجود سرداب بطول عشرة أمتار يصل من محراب الصلاة وحتى «غرفة الدفن»، وهذا ما وصل الى مسامعنا من آبائنا وأجدادنا، وغرفة الدفن تضم القبر الشريف للسيد أحمد الرفاعي وخاله المدفون الى جانبه، ويقال تحتوي على «عمامته، والقرآن الذي كان يقرأ فيه، وأدوات الوضوء، وكتب دينية ثمينة، ولفائف تحوي «أسراراً كونية»، لا تكشف لللناس العاديين، وإنَّما سيأتي زمنها ويكشفها الصالحون».
تذكر المصادر التاريخية ومنها كتاب (بهجة الأسرار ومعدن الأنوار) لمؤلفه «نور الدين أبي الحسن علي بن يوسف بن جرير اللخمي الشطنوفي» المتوفى سنة 713 هــ عن السيد أحمد الرفاعي في أحد فصول كتابه قائلاً «هذا الشيخ من أعيان مشايخ العراق وأجلاء العارفين وعظماء المحققين وصدور المقربين وصاحب المقامات العلْية. وهو أحد أركان الطريقة علماً وحلاً وتحقيقاً وأحد أفراد هذا الشأن وأئمة سادتهِ وأعلامه لدعاة الهدى إليه، وهو أحد من تذكر عنه القطبيَّة وهو الذي يقول «الشيخ من يمحو اسم مريده من ديوان الأشقياء».
على الجدار المحيط بالقبر الشريف هناك قطعتان حجريتان كتب عليهما «بيتان من الشعر» واحدة بالعربية والثانية بترجمة تركية، شعر في مديح الغوث الكبير وسجاياه الكريمة.
يضم رواق الصحن لمرقد أحمد الرفاعي «قدس سره» وتماماً تحت المئذنة الوحيدة العالية، قبران يصطفان واحدٌ جنب الآخر، غلفا بـ»الكاشي الموزائيك» بعد أنْ كان بناؤهما من الطابوق الفرشي، ما أضاع ملامح بنائهما، والتعرف عليهما عن كثب، ومن ثم إخفاء كامل لشاهدتيهما، وعند سؤالنا للسيد علي الرفاعي «سادن المرقد» أجابنا قائلاً: «هذان القبران هما، القبر الأول للشيخ» ناصر السعدون الأشكر»شيخ عشيرة» المنتفك مؤسس وباني مدينة الناصرية، ومدفون الى جواره أحد أقربائه الخلص وهو «مزعل باشا السعدون»، وفضلاً أنْ يدفنا هنا ـ وحسب ما نقل إلينا ـ لاعتقادهم المطلق بهذا الإمام وتقرباً منه لشفاعاته وكراماته وورعه وتقواه، كما أنَّ هناك الكثير من القبور تقع خارج صحن الإمام. تحيط بالمرقد وعلى مبعدة منه تلول آثارية، وحسب مشاهدتنا لها وسؤالنا عنها، ثمة عمال بناء يقومون بتشييد سياج من «rmc» حولهما وبتكليف من مديرية آثار ميسان وضمن خطة العمل فيها واكتشاف كنوزها مستقبلاً، الأمر الذي لا يمنح فسحة مكانية كبيرة لتوسعة هذا المرقد الشريف والمباشرة بإنشاء إيواناتٍ جديدة أو مسقفات أو قاعات كبيرة لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الزائرين سنوياً، وبما يترك غصة في نفوس المواطنين القاصدين زيارة الإمام وقاطعي المسافات البعيدة من المحافظات العراقية، لا سيما أنَّ المرقد هو خارج نطاق الحدود البلدية لناحية «سيد أحمد الرفاعي».
وحسب قول السيد مدير الناحية، ما يقلل من حجم تقديم الخدمات المقدمة إليه، على مستوى نظافة المكان وإيصال الماء بجميع استخداماته، مع احتياجات أخرى للزائرين في موسم الذروة. رغم ما قدمه ديوان محافظة ميسان بإنشاء «مجموعة صحية» من مشروع تنمية الأقاليم.
يشار الى أنَّ مرقد السيد أحمد الرفاعي تابعٌ للوقف السني، وهذه دعوة ومناشدة من قبل الزائرين الى الجهات المعنية في الوقف السني لزيارة المرقد الشريف والاطلاع على احتياجاته وتقديم الأفضل من الخدمات وخاصة في ما يخص إسكان الزائرين ومبيتهم، وبما ينعكس إيجاباً على قدسية المكان وبما يجعله أثراً تاريخياً من جهة ومزاراً مشعاً بالتقوى والإيمان على مدار السنة من جهة أخرى.