كان القرار المصيري لعام 1947 بمثابة الشرارة لاندلاع الخلاف حول كشمير بين كل من الهند والباكستان والذي تسبب بعقود من العنف.
فمنذ العام 1947 علقت هاتان الدولتان في صراع حول هذه المنطقة الواقعة عند أقصى الجزء الشمالي من الهند والتي تتسم بغالبيتها المسلمة، وكانت هذه المنطقة الجبلية ذات يوم إمارةً تمتدّ مساحتها الى 137 ألف كيلو متر مربع، أما الان فان كل من الهند وباكستان تدعي المطالبة بها. وتكمن جذور الصراع في الماضي المشترك للمنطقة الاستعمارية، إذ حكمت بريطانيا شبه القارة الهندية منذ القرن السابع عشر وحتى القرن العشرين وكان حكمها غير مباشر عن طريق شركة الهند الشرقية التابعة لبريطانيا، ثم اصبحت تحكمها بشكل مباشر سنة 1858، وبمرور الوقت ضعفت قوة السيطرة البريطانية على مستعمرتها وذلك بالتزامن مع نشاط الحركة القومية المهددة بسقوط حكم التاج البريطاني الهندية. ورغم خشية بريطانيا من حدوث حرب اهلية بين الاغلبية الهندوسية والاقلية المسلمة، لكنها واجهت ضغطا لضمان استقلال مستعمرتها، وبعد الحرب العالمية الثانية قرر البرلمان البريطاني بوجوب انتهاء الحكم الاستعماري للهند بحلول العام 1948.
وكان لدى بريطانيا تاريخيا ناخبون منفصلون للمواطنين المسلمين واحتفظت ببعض المقاعد السياسية المخصصة للمسلمين، لكن هذا لم يحدد المسلمين فقط بوضعهم ضمن اقلية وانما اجج حركة انفصالية مسلمة، وبدأ محمد علي جناح وهو السياسي الذي ترأس الرابطة الاسلامية الهندية المطالبة بدولة منفصلة للمسلمين الهنود.
وقال جناح في العام 1945: “لقد آن الآوان للحكومة البريطانية تنفيذ فكرتها فعلا بتقسيم الهند وتأسيس دولتي باكستان وهندستان، وهذا يعني الحرية لكليهما”.
وثيقة تسببت بالصراع
وبعد اندلاع اعمال شغب دينية في عموم الهند البريطانية والتي تسببت بمقتل عشرات الالاف، اصبح القادة البريطانيون والهنود يفكرون فعلا بتقسيم شبه القارة الهندية على اساس ديني، وفي 14 آب 1947 أسست دولة باكستان المستقلة ذات الاغلبية المسلمة، ليعلن اليوم التالي استقلال الهند ذات الاغلبية الهندوسية. ووفق شروط التقسيم السريع كان على اكثر من 550 امارة ضمن المستعمرة الهندية، والتي لم تكن تحت الحكم البريطاني المباشر، ان تقرر اما الانضمام للدولة الجديدة او البقاء مستقلة.
وحكم المهراجا الهندوسي هاري سينغ امارة جامو وكشمير ذات الأغلبية المسلمة، على خلاف اغلب الامارات التي ضمت نفسها الى هذه الدولة او تلك، لكن سينغ فضّل استقلال كشمير، ولتفادي الضغط للانضمام الى دولة او اخرى وقّع المهراجا اتفاقية الانضمام والتي تسمح لمواطني كشمير بالاستمرار في التجارة والسفر الى الدولة الجديدة، إلا ان الهند لم توقع مع الامارة اتفاقية مشابهة.
وبسبب احتدام اعمال العنف المرتبطة بالتقسيم عبر البلدين الجديدين فان الحكومة الباكستانية ضغطت على كشمير للانضمام لها، وسيطر الثوار المؤيدون لباكستان وبتمويل باكستاني على مناطق واسعة من غرب كشمير، وفي ايلول 1947 توافد رجال قبائل البشتون (المعروفين بالأفغان لجذورهم العرقية التي تعود الى افغانستان) عبر حدود باكستان باتجاه كشمير، وطلب سينغ المساعدة من الهند لدرء خطر الغزو، إلا ان جواب الهند من اجل تقديم المساعدة العسكرية اوجب على كشمير الانضمام الى الهند وبذلك تصبح جزءا من الدولة الجديدة. فوافق سينغ ووقّع على وثيقة الانضمام في تشرين الاول عام 1947، التي ضمّت كشمير الى سيادة الهند، وأعطيت كشمير فيما بعد وضعا خاصا ضمن الدستور الهندي، يضمن هذا الوضع الاستقلال لكشمير في كل شيء ما عدا مجال الاتصالات والشؤون الخارجية والدفاع. كان قرار المهراجا المصيري بضم كشمير الى الهند هو السبب الذي قاد الى عقود من الصراع حول المنطقة المتنازع عليها والتي تضمنت حربين وتمردا طويل الامد.
عن ناشينال جيوغرافي