تحمل الرواية عنواناً ملتبساً «ثلاثية ليست للمتعة» وعنواناً فرعياً «سيرة حياة وكلام ومآثر مولانا أبي بصير»، ينوه الكاتب إلى أنها رواية خيالية، ومعلقاً على الصدفة في أي تشابه بين شخصياتها والشخصيات الواقعية، وكأننا به يدعونا إلى مقاربة ما مع واقع ما ربما.
تأخذنا الرواية في رحلة من ثلاث محطات(روايات) وكل محطة تتناول فترة من تاريخ دمشق المعاصر من دون أن تكون هذه الروايات مرتبطة ببعضها حدثياً ويمكن أن تُقرأ منفصلة. إن ما يربطها ببعضها البعض هو المكان: دمشق. والفكرة: تحولات المدينة في ظروف متشابهة تاريخياً. وشخصية يعاد إحياؤها في تحولات مختلفة وأدوار مختلفة: أبو بصير
رواية تحكي سيرة مولانا أبو بصير، الذي كثيراً ما شوهد في شوارع الشام وحاراتها ومقاهيها بلا دليل، قديماً كانوا يلقبونه «اليعي»، وماسحو الأحذية وباعة البسطات عن جسر فكتوريا وزهرة دمشق يسمونه «الحاج ويسكي»، أما مريدوه وقراؤه فينادونه «مولانا أبي نصير»، يأخذنا الكاتب في رحلة من ثلاث محطات، تحمل كل منها عنواناً وأحداثاً وأحاديث، يقصها بسلاسة لا يدع لك مجالاً لتترك الرواية قبل أن تكملها.
المحطة الأولى جاءت تحت عنوان « أغاني بيت الخالة»، بأحداث تجري في محرم عام 825 للهجرة، 1421 للميلاد، في فترة حكم المماليك للشام، متحدثاً عن أحوال الشام وأهلها وبعض من معاناتهم في فترات الصراع على السلطة، واصفاً حال أحد المشاركين بالصراع الدموي على السلطة والنهاية التي وصل إليها، فها هو على لسان قاضي عسكر الشام يقول لـ « قيمق»: إنها القلعة التي «لن يحفر اسمك على جدرانها ولن يخلدك حجر».
المحطة الثانية بعنوان «آخر أيام التوت»، هنا يتداخل الخيال والواقع، جرت أحداثها بين يومي 27 أيلول 1917 و24 تموز 1920، فترة الانتقال من الاحتلال العثماني إلى الفرنسي والإنكليزي، متحدثاً عن تفاصيل الحرب وما تركته من آثار في حياة السوريين، مع انطلاق الثورة العربية الكبرى، عن تحرك الشارع والغضب والسلاح يتحدث « في لحظة جاءت كتطور لعدم التدخل، كنتيجة لغضب عام غير معالج، بدأ الرصاص»، تاركاً لخيال القارئ المجال لمقارنات مع تواريخ لا تنتهي.
وللحب حضوره في محطات الرواية، وكأنه الملاذ لما تفرزه الحروب من «عطب وموت وغيابات»، ففي حوار بين يوسف وحسن يحدثنا صاحب « على مسافة قبلة 2010»: هل جربت الموت؟، «جربت ما يشبهه»، هل تقصد الحياة؟، «أقصد الحب».
المحطة الثالثة والأخيرة حملت عنوان «هذيان ليلكيّ»، كأي هذيان، هنا تتداخل الأزمنة، تتداخل الأمكنة، عن الحب والموت والثورة والحرية، والعلاقات بين أصدقاء يحملون أحلامهم ما بين دمشق وحلب، ودمشق وهذيانات الحاج ويسكي، وحوارات بين شخصيات المحطة الأخيرة باستفاضة وعبارات لا تخلو من الشعرية، ويختم الرواية بالحديث عن دمشق «هي المدينة عارية على العشب، هي القدس وأكثر، دمشق هي.. “.
رواية تستحق الوقوف عندها، كتبت بلغة سلسة وممتعة، تبعدك عن الملل والرتابة والكلمات المنمقة، ولا تخلو من نفحات ولمسات شعرية أضفت عليها جمالية، يذكر أن الرواية صادرة عن دار جسور ودار العراب في دمشق، هي الأولى للكاتب بعد سلسلة من المجموعات الشعرية، نذكر منها: على مسافة قبلة 2010، ما ينتهي هو ما يبقى 2017، وقد نال الكاتب جائزة احتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية عن مجموعته: من أطلق النار
أولاً.