أحمد حسين
بعد أنْ كان العراق حتى وقت قريب ساحة لصراع سياسي دموي بين الدول العربيَّة وفي مقدمتها الدول الخليجية بقيادة السعودية من جهة وبين إيران من جهة أخرى، صراعٌ استخدمت فيه مختلف أنواع الأسلحة العسكرية والبدائية والبشرية والمالية واللوجستية والتعبوية والطائفية والعنصرية، كلف العراق والعراقيين أثماناً باهظة من الممكن تقديرها بشكل تقريبي من الناحية المالية، لكنْ من المحال حصرها أو حتى مجرد الاقتراب من تقديرها من النواحي الإنسانية والمعنوية، كما أنه كلف أيضاً الدول المتصارعة أموالاً طائلة وخسائر بشرية، لكن الغريب في أمر هذا الصراع الذي استنزف جميع أطرافه مادياً ومعنوياً، لم يتم فيه استخدام سلاحين غير مكلفين بل إنهما يعودان بالنفع على العراق والدول التي توجههما نحو العراق، ولا تقتصر منافع هذين السلاحين على الناحية المادية فقط بل السياسية والاجتماعية أيضاً، ألا وهما الاقتصاد والدبلوماسية.
يبدو أنَّ أطراف الصراع الدموي الذي نتمنى أنه انتهى ولن يعود مجدداً، انتبهوا أخيراً إلى أهمية الاقتصاد والدبلوماسية كسلاحٍ في خوض حرب باردة بيضاء بدلاً من مطاحن ومجازر ساخنة حمراء، هذا التحول المفاجئ يستدعي بالضرورة البحث عن أسبابه وهي كثيرة ومن الصعب الجزم بأنَّ أحدها أو بعضاً منها أو جميعها هي الدافع الحقيقي نحو هذا التغير، فهناك الإدارة الأميركية الجديدة المتمثلة بالرئيس دونالد ترامب الذي اتخذ من الاقتصاد سلاحاً بديلاً عن الرصاص لضمان مصالح واشنطن في المنطقة الإقليمية، أيضاً هناك الدب الروسي الذي بلغ أقصى أدواره المؤثرة في الشرق الأوسط وبات منافساً صعباً للمعسكر الأميركي، كذلك هناك التحول في التوجهات السياسية والفكرية التي تشهدها السعودية بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان، وأيضاً أمير قطر تميم بن حمد المندفع الذي يريد أنْ يكون لاعباً أساسياً في التشكيلة الإقليمية، وهناك رئيس الإمارات خليفة بن زايد الذي يريد هو الآخر أن يضع بصمته في السياسة الدولية، ولدينا كذلك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يحلم بإحياء الإمبراطورية العثمانية مجدداً، كذلك الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي يحاول الحفاظ على تصدر مصر للمشهد العربي، والكثير غيرهم، أما على المستوى العراقي فلدينا رئيس الوزراء عادل عبد المهدي الذي يمتاز بسياسة الهدوء وتجنب الاستفزاز وصناعة الخصوم، لكن قبل تصدر السيد عبد المهدي لرئاسة الحكومة، هنالك عاملٌ أهم بكثير ألا وهو الانتصار المفاجئ للقوات الأمنية العراقية على تنظيم داعش في معركة كان من المفترض أنْ تمتد لسنوات لكنها حمست خلال أشهر.
بالنسبة ليّ أرى أنَّ النصر الذي حققته قواتنا كان السبب الحاسم في التأثير بسياسة الصراع السعودي الإيراني في العراق لأنه أثبت لهذه الأطراف أنَّ قواتنا قادرة على أنْ تقلب الطاولة وتحرق ورقة الحرب بالنيابة في الساحة العراقية، وبما أنها أظهرت هذه الشجاعة والقدرة على حسم حرب بتلك القذارة التي أظهرها تنظيم داعش فهي بالتالي بإمكانها وأد أي محاولة مشابهة لافتعال حرب جديدة من هذا النوع، لذا لا بدَّ للأطراف المتصارعة من حرب بديلة تجنبها مواجهة قواتنا التي قد تجهض بسهولة مثل هكذا محاولة أو حتى إن لم تحسمها سريعاً فهي سوف تستنزف مغذيات هذه الحرب وفي النهاية نتيجة الحرب ستكون مشابهة لنهاية داعش، إذا لا بدَّ من البحث عن بديل آخر لشكل الصراع.
برأييّ المتواضع والذي قد أكون مخطئأً فيه، يمثل السيد عبد المهدي فرصة ذهبية للسعودية وإيران لذلك نراهما يستقتلان في استمالته وهذا الأمر في غاية الوضوح، إذ إنَّ العروض السخيَّة التي يقدمانها له لم نشهد مثيلاً لها في الحكومات السابقة، كما أنَّ الرجل يركز في سياسته الخارجية على السلاحين الأهم الاقتصاد والدبلوماسية، الرجل يتعامل بهدوء تام مع جميع الأطراف الداخلية والخارجية وتصريحاته في غاية التوازن وتتصدر أجندته الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي تهتم في تنشيط الاقتصاد الوطني والخدمات ذات التماس المباشر مع احتياجات المواطنين بمختلف مستوياتهم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وعلى الرغم من محاولات البعض من جنود المعسكرين السعودي والإيراني النيل منه وتسقيطه سياسياً وشعبياً إلا أنه يسير بخطى ثابتة، فقد أشاع جنود المعسكر السعودي أن عبد المهدي يدافع عن إيران كمصدر للمخدرات في تصريحه عن خط نقل المخدرات من الأرجنتين إلى العراق، وكذلك في توقيعه اتفاقية الجزائر سيئة الذكر، كما أن المعسكر الإيراني شن حملة مماثلة من خلال رفض تسمية ملعب كرة القدم الذي أهداه الملك السعودي للعراق، كما طالبوا عبد المهدي بالضغط على السعودية لتقديم تعويضات مالية لضحايا العمليات الإرهابية، وغير ذلك من المحاولات البائسة التي ليس لها من هدف سوى الإطاحة بالرجل لأنه جاء في وقت وضعت فيه الحرب الدموية أوزارها وانتقلت إلى مرحلة أخرى وشكل جديد سيخدم العراق من كل النواحي كدولة وكشعب.
العراق عاد إلى مكانته وبدأت الكرة تصل إلى أقدامه فامنحوه فرصة ليتحكم بها واتركوا له خيار تسجيل الهدف مباشرة أو تمريرها إلى غيره ليسجل هدفاً يُحسبُ للعراق أو الفريق الذي يلعب فيه العراق.