عواطف مدلول
الخوف المبالغ بات شعورها الدائم تجاه اغلب الأشياء والأحداث من حولها، فهي لم تتحرر بعد من الفوبيات العديدة، التي تركت لديها مشكلات نفسية جمة، واستنزفت طاقتها جراء التراكمات المتعلقة بمعاناتها المستمرة، من أمور لم تتوقع أبدا أن تحصل لها، وهي ما زالت في قمة شبابها فقلبت حياتها رأسا على عقب.
خلف نوبات القلق هذه واضطرابات الهلع التي تحصل لها احيانا بشكل مفاجئ، تمتلك شجاعة عظيمة خبأتها النكبات والاحزان، بعد أن بدأت الأيام والسنوات تتراكم وتقسو عليها، وتمضي بسرعة البرق غزيرة بالمحن والعسر، فغدا ينقصها الاطمئنان، كي تفتح بوابات الضوء أمامها مجددا، لتخفف عنها ذلك الضيق الشديد.. فتعود لنسختها القديمة التي أضحت ذكرى منسية، وحلما مستحيلا تتمنى أن تعيشه مرة اخرى.
(قطار الموت) لعبتها المفضلة بالصغر، في كل رحلة مدرسية او سفرة عائلية لاي متنزه، حيث تقبل مهرولة نحوها بمفردها متقدمة الجميع بشغف يصل لمرحلة الجنون والتهور، وعندما تصعد (السكة) تطلق ضحكاتها وصراخها معا في آن واحد، بأعلى صوت مع كل ارتفاع وهبوط ، بدقائق تكاد تحبس أنفاس كل من يشاهدها وبالقرب منها، ولا تغادر المكان الا وقد افرغت كل ما في جيبها من نقود على تجربة اخطر الالعاب، مفتخرة بجرأتها التي تجعلها تجازف بلا تفكير ودون منافس، رغم حذر وخشية معظم المحيطين بها.
كثيرا ما تخطف الانظار لكونها مغامرة بكل المواقف الصغيرة أو الكبيرة، اذ كانت الوحيدة التي تقتحم الشارع الواسع المحاذي لمدرستها دون السماح للسيارات المقبلة، أن تمر أمامها فتفلت يد والدتها لتسبقها في الذهاب الى الجانب الآخر، وتقف لتصفق لنفسها وكأنها حققت فوزا على أخواتها وهن يتابعن حركاتها بغيرة وحسد منتظرات أن تتهأ لهن فرصة العبور اليها.
على الدوام تعتقد أسرتها أن في يدها بركة تميزها عن الآخرين، وحديقة المنزل خير مثال على ذلك، فكلما تتعرض الأشجار فيها للتلف تأخذ على عاتقها مهمة زراعتها مرة اخرى، فتنمو برعايتها لها وتزهر لفترات طويلة، حينما تتناغم مع البيئة التي تتوفرها لها، فتتكاثر وتضفي جمالا وسحرا يجذب كل من يدخل البيت، ورغم الجهود المبذولة من بقية أفراده، إلا أنهم لم يفلحوا بالتفوق عليها بهذا الخصوص، ولم يتوصلوا للسر الذي تحمله لفك وترجمة شفرة كل من يراها رمزا للكمال والمثالية، وهي تداعب النباتات بعفويتها وطبيعتها المرحة، وغيرها من الشواهد والأدلة على اختلافها، وذلك شكل سببا لتبدو الافضل والاكثر ثقة وسطهم.
براءتها وأمانها المطلق بالناس مهد لهم الطريق لاختراق هالتها المتوهجة، ذلك ما سهل عليهم أذيتها والإساءة لها، ولعبا دورا في فقدان اتزانها احيانا، فلاحقها الذعر وعرقلت التعقيدات كل خطواتها الساعية لاسترداد وانتشال ذاتها.
خزين من الصدمات انهكها وفرض عليها تقبل البقاء عند نقطة الاستسلام بدائرة مغلقة، {لا منفذ ولا منقذ}، إلا أن الرؤية اتضحت لديها، عندما استفزها أن تنطفئ، وهي التي اعتادت على ان تكون مصدرا للنور، رتبت خرائط أفكارها وخططت أن تتكأ على نفسها، وبلحظة حاسمة أعلنت حرق ما تبقى من الصفحات المعتمة التي لا معنى لها في كتاب حياتها، وأخذت قرارا بمواجهة ارتباكها المرضي من الأماكن المظلمة والمزدحمة، واثناء عبور الجسور وركوب امواج بالبحر والماء، وتوترها من المرتفعات وقيادة السيارات، ورفضها غير المنطقي الحب والزواج، وكذلك رعبها من البقاء لوحدها ورهابها غير المبرر من بعض الارقام وغيرها من الفوبيات الطارئة على شخصيتها.