هل من تأثير للدين في العلاقات الدوليّة؟

آراء 2023/08/01
...

محمد صالح صدقيان
أثارت حوادث حرق المصحف الشريف ردود افعال متعددة ومتباينة في الأوساط السياسية المحلية والإقليمية والدولية، خصوصا تلك التي كانت علی المستوی الرسمي، والتي دخلت في إطار «العلاقات الدولية»، كاستدعاء سفراء أو قطع علاقات أو طرد سفير من هذا البلد وعدم استقبال آخر في بلدٍ ثان؛ في الوقت الذي دافعت فيه الدول الغربية عن الحادث بوصفه «حرية معتقد» و»حرية رأي» ؛

في حين توقف علماء السياسة والعلاقات الدولية امام هكذا ظاهرة للاجابة علی سؤال يتعلق بتأثير «الدين» في العلاقات الدولية؟ وهل يمكن قبول أو رفض هذا المفهوم، أم يجب أن يؤخذ بنظر الاعتبار بعد عقود  من ازاحة «الدين» عن  الحياة السياسية؟. خلال العقود الأربعة الماضية واجهت «العلاقات الدولية» عوامل جديدة وإن كانت بدرجات متفاوتة، دخلت قاموس التطورات الدولية، ابتداءً من الثورة الاسلامية، التي حدثت في ايران عام 1979 وانتهاءً بفوز أحزاب تشكلت علی المبادئ والقواعد الدينية في اكثر من بلد إسلامي، مرورا بظهور تنظيمات اتخذت من فهمها لـ «الدين» اسلوبا للحياة، كتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الاسلامية «داعش». وبعبارة اخری فإن المجتمع الدولي شاهد مجموعة من الظواهر السياسية، وإن كانت غير مترابطة في الزمان والمكان تتحرك علی الارض، وفي الميدان يجمعها تعاليم «الدين»، في الوقت الذي اسدل العالم الغربي الستار علی هذا النوع من الثقافة منذ الثورة الصناعية، التي قامت في القرنين الثامن والتاسع عشر.
الثورة الاسلامية في إيران كانت نقطة مفصلية في تبني العقائد الدينية لاحياء فكرة حوكمة «الدين»، بعد عقود من انتهاء الدولة العثمانية، التي اعتبرت نفسها امتدادا للدولة الاسلامية، والتي انتهت بالأتاتوركية، التي وضعت حدا لهذه الأفكار والفهم، بعيدا عن مصداقيتها وفهمها لـ «الدين».
في العام 1988 ادی انتشار كتاب «الآيات الشيطانية» للكاتب البريطاني ذي الاصول الهندية سلمان رشدي إلی استنكار إسلامي رسمي وشعبي، من مختلف بلدان العالم الإسلامي، الذين رؤوا أن المتهم الأساس في هذا الكتاب، ليس شخصا بعينه بقدر ما هو العالم الغربي، الذي لا يحترم «الدين» الاسلامي ومقدساته.
في العام 1990 تاثرت دول وشعوب إسلامية بالعقيدة، التي اثارها تنظيم القاعدة والذي سيطر في ما بعد علی حركة الطالبان التي سيطرت في عام 1996 علی الحكم في افغانستان ،حيث واجه المجتمع الدولي نوعين من حوكمة «الدين»؛ نوع مثله «الاسلام السلفي» أو «السلفية الجهادية»، متمثلة بالقاعدة وحركة الطالبان «السني» في مقابل إسلام من النوع الايراني «الشيعي»، الذي بدأ يتشكل بمفاهيم وعقائد تستند علی «الدين». وامام هذين النموذجين برز في الفترة ذاتها في تركيا نموذج ثالث امتاز بالاعتدال والوسطية، بعد ان فاز حزب الرفاه بزعامة نجم الدين اربكان في الانتخابات، وإن لم يدم طويلا، لكنه أسس لمحيط نجح من خلاله حزب العدالة والتنمية برئاسة رجب طيب أردوغان من الفوز بالرئاسة والبرلمان، ليسلط الضوء علی حزب يعتمد في مفاهيمه علی «الدين» في نظام علماني.
وفي الوقت الذي تبنت منظمة الامم المتحدة في العام 2001 فكرة «حوار الحضارات»، التي طرحها الرئيس الايراني انذاك محمد خاتمي، إلا أن المجتمع الدولي اصطدم بحادث 11 سبتمبر الذي أولد حالة من الهلع والخوف من «الدين» وامكانية عودته للحياة السياسية الامر الذي اعاد للاذهان ظروف وتداعيات الحروب الصليبية.
هذه الاجواء والتطورات دعت علماء الاجتماع الدخول في جدلية تاثير «الدين» علی المجتمع والتاريخ البشري، في حين نظر اليه علماء السياسة باعتباره تطورا جديدا لمرحلة من التطورات الدولية.
ويقول الاكاديمي الايراني محمود شوري إن المجتمع الدولي نظر للثورة الاسلامية في ايران، باعتبارها قاعدة للتصدير لمحيطها، لكنه أيقن في ما بعد أن الامر يتعدی هذا الفهم، لمفاهيم أبعد من ذلك مثل «الاسلام السياسي» و»الاسلام السلفي» و»الاصولية الاسلامية» ؛ حيث اطلق المنظرون في العلوم السياسية مصطلحا أو مفهوم «التهديد الاسلامي»، والذي حلّ محل «التهديد الشيوعي»، حيث انتهی بعد أحداث 11 سبتمر الی «الحرب علی الارهاب».
وبعيدا عن الاجواء السياسية والإعلامية والأمنية فإن علماء «العلاقات الدولية» لم ينجحوا في فهم هذه التطورات، لأن المؤرخين والمستشرقين هم الذين تقدموا لشرح ما يجري، سواء في الشرق الإسلامي أو آسيا أو أفريقيا أو حتی في أمريكا اللاتينية؛ والتاكيد علی مفاهيم مثل الصراع التاريخي بين الإسلام كـ «دين» وحضارة من جهة؛ والغرب وملحقاته الثقافية كالحداثة والديمقراطية والحرية من جهة أخری؛ ورسموا صورا لهذه القراءة، أو كما وصفها المنظر الأمريكي صمویل هنتنغتون «صراع الحضارات».
إن المجتمع الدولي وتحديدا المهتمين في «العلاقات الدولية» لا يمكن لهم أن يمروا مرور الكرام علی اهمية «الدين» في «العلاقات الدولية» بعد التطورات التي شهدتها المجتمعات المختلفة؛ وإن المفاهيم السائدة لدی المجتمعات الغربية أمثال الحداثة والديمقراطية والحرية لا يمكن لها أن تصمد امام هذه التطورات. إننا أمام ظاهرة جديدة في «العلاقات الدولية»، وهي انعكاسات القضايا الثقافية والدينية علی هذه العلاقات.
ليس مهما إن كان الآاخر يقبل بها أم لا؛ المهم كيف يمكن له ان يتعاطی ويكيّف نفسه من اجل احترام «الدين» كعامل ثقافي يدخل ويؤثر في العلاقات الدولية بجميع أبعادها الاقتصادية والسياسية والأمنية والعسكرية والاجتماعية.