عاشوراء والحزن الاستثنائي

آراء 2023/08/02
...

 نوزاد حسن


مناسبتان تشعرني كلٌ منهما بأنني حزين جدا، المناسبة الاولى هي مولد النبي عليه السلام، والثانية هي استشهاد الامام الحسين في العاشر من محرم، وبين تناوب هذه المناسبة وتلك أعيش حالة خاصة، لا يشاركني فيها أحد، فهناك انفعالات شخصية إلى أبعد الحدود، ولا يمكن لأحد أن يلمحها أو يحس بها.

 من الممكن تصنيف أنواع الحزن في قائمة طويلة، يحزن الانسان لموت أحد، أو يحزن اذا فقد وظيفته أو احترقت سيارته، أو هاجر ابنه، أو احترق بيته، قائمة الحزن تطول لكن في النهاية يعترف الانسان أن الحياة، لا بد من أن تستمر، وأن الله اعطى للأنسان نعمة كبيرة جدا هي نعمة النسيان، هذا النسيان هو علاج لكل أنواع الحزن التي ذكرتها ويعرفها الجميع لأنهم قد عاشوها.

 من المؤسف جدا أن قائمة الحزن الطويلة التي يعالجها النسيان، لا يوجد فيها حزن دستوفسكي الذي يسميه «بالحزن الحضاري»، كما أن تلك القائمة لم تتطرق إلى حزن المناسبتين، اللتين تحدثت عنهما في بداية مقالي.

النسيان اضعف من ان يعالج احساسي القوي بحزن تثيره ذكرى الطف، دعوني اتحدث عن استشهاد الحسين عليه السلام قليلا تاركا الحديث عن مناسبة لادة النبي لوقت آخر.

 مع إطلالة العاشر من محرم، افكر كيف يبتعد العالم عن روح الطف، وكيف ينشغل بمادياته عن نورانية ثورة الامام الحسين، وكما قلت لا يمكن أن أتعامل مع الحزن إلا بطريقة واحدة، وهي تخيل الإمام الحسين، وكأنه الآن يواجه الظلم والباطل.

 ماذا أسمي حزن الطف هذا؟

أأسميه بالحزن الاستثنائي؟ 

في الواقع لا أجد كلمة أفضل من هذا الوصف، ومع ذلك يمكنني أن أقول إن لهذا الحزن اتساعا هائلا لا تنتهي حدوده، وأنا ذرة صغيرة ضائعة في هذا الاتساع.

يقسم الحزن الاستثنائي التاريخ إلى قسمين كبيرين، يصطف قسم البراءة إلى جانب وقسم الطغيان إلى جانب آخر، يبدأ التاريخ بقابيل وهو يقتل هابيل اخاه، ثم يستمر في مسيرة طويلة، في مقابل مدرسة الحق والبراءة هناك مدرسة الباطل، فيكون قابيل ويزيد في مواجهة مع الحسين عليه السلام وهابيل، مواجهة ستستمر إلى أن تنتهي الحياة، وفي دوامة هذا الصراع الكبير يكون الامام الحسين الأنموذج الاوحد في تلخيص هذه الدراما الانسانية الكبيرة، وهذا الالم الذي يتجدد مع كل مواجهة.