محمد أحمد فارس
في مراحل العمر المختلفة، تمثل شريحة الشباب أهم مصادر القوة والحيوية في حياة الشعوب، فهي بمثابة المخزون الستراتيجي الذي تلجأ إليه الأمة في أوقات الأزمات والصراعات التاريخية، وهي مصدر الإبداع والتجديد والإحلال والتغيير في تطور المجتمعات، وهي التي ستؤول إليها مسؤولية تشكيل صورة المستقبل وصناعته. ولا يمكن تصور مجتمع يستمر فيه جيل واحد بدون تغيير، لأنه سيتحول حينئذ إلى مجتمع محكوم عليه بالجمود والموت، يفتقر إلى الإبداع والابتكار والتجديد في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. تخمد حيويته، وتتبدد طاقاته، وتذوى في أشكال مختلفة من الفساد والتعفن والتحلل.
وفي النظم الديمقراطية في الغرب، حيث انتهى عصر الثورات الوطنية والتغيرات المفاجئة، والانقلابات العسكرية، والانتفاضات الطبقية، يعتبر الشباب هو الحامل الطبيعي لعوامل التغيير والتجديد في المجتمع، باعتباره أكثر الفئات حساسية للتغيرات والتحولات، وأكثرها استعدادا لخوض التجارب وتحمل نتائجها، والتمرد على القوالب السائدة ومحاولة صياغة قوالب جديدة، خصوصا في عصر العولمة واقتصاد السوق وسيادة أنماط مغايرة من العلاقات الاجتماعية والرؤى الفكرية والثقافية.
حقيقة أن الظروف تغيرت وتعقدت العلاقات والتراكيب الاقتصادية، وتبدلت المعطيات الاجتماعية، واختلفت الرؤى السياسية عن ذي قبل، ومن الطبيعي أن تفرز العلاقات والاوضاع المستحدثة قيادات جديدة تملك ميزة التجانس مع هذا الواقع الجديد الذي نتعامل معه. ولذا كان على القيادات التقليدية أن تفتح المجال لهذه الفئة الجديدة من الشباب، الذي يتسيد حركة المجتمع ويملك نضجا سياسيا وطنيا ومهنيا واجتماعيا وعلميا.
الواقع السياسي للبلد والتحديات المطروحة له على المستوى السياسي، تجعل من الضروري على جميع الشباب الناضج الالتحاق بالعمل السياسي والتنظيمي، الذي يسعى لإشراك الشباب بالقيادة وصنع القرار لاكتساب القدرات والحلول القادرة على تدبير الأزمات، كما يفرض الواقع على الشباب أكثر من أي وقت سابق البحث عن ذاته وايجاد من يصغي له ويشركه، ويقدم له الضمانات الكافية التي تضمن له أخذ مكانته اللائقة كشريك سياسي واجتماعي وتنموي لا غنى عنه، وألا يقبل بأن يكون وقوداً للحملات السياسية ويافطة للمصالح الجهوية الضيقة.
إن الشباب العراقي يعد من الفرص الكبرى للتنمية، إذا تم توظيفها انطلاقاً من عملية إشراك ومشاركة، فإنه يؤسس لعوامل إنجاح التنمية ومستقبلها في إطار ترسيخ ثقافة تضامُن الأجيال، التي تمهد المشعل للجيل اللاّحق، وتجعله مُنخرطاً في الإسهام في صناعة القرار، ويتعلم في ذات الوقت طرق آليات وظروف اتخاذ القرار وكيفيته وتوقيته، وغيرها بما يؤسس لصناعة نخب شابة قادرة على كسب التحديات محليا، وطنيا وإقليميا ودوليا.وقد قال غوته: يتوقف مصير كل أمة على شبابها.