هل للديمقراطية أنياب؟

آراء 2023/08/03
...






 د. أثير ناظم الجاسور  

في العام 1981 خرج الرئيس المصري أنور السادات بخطاب موجه لخصومه من المعارضين بمقولة “ للديمقراطية أنياب”، فتمثل انقلابه الديمقراطي باعتقال الآلاف من المعارضين، وتحديدا من الجماعات الإسلامية المتشددة، إضافة للمعارضين لاتفاقية كامب ديفيد، ونتيجة لأنياب ديمقراطية السادات تم اغتياله أمام جمع من حرسه وقواته المسلحة وضباطه، وعند التدقيق في تفاصيل واحداث لا تزال تحدث سواء في الشرق الأوسط وانظمته المدعية لممارسة الديمقراطية، كاسلوب حكم أو حتى في دول أوروبا التي تُنتهك فيها مع كل حدث قد لا يتناسب وتفكير النظام السياسي وتوجهاته، فتلعب الديمقراطية بأنيابها دورا في بلورة أجيال من الساخطين على سياسات تُتبع لتعزيز ديمقراطية النموذج، الذي تبشر به هذه الجماعة أو تلك، نماذج متعددة تتحدث وتتشكل باسم الديمقراطية تسير وفق خطوات فكرية مستقيمة لواقع غير مستقر لتطرح نموذج هجين، بالتالي فإن اغلب نماذج الديمقراطية التي بُنيت في أوروبا جاءت بعد صراعات دموية دارت بين افكار تبلورت بعد معاناة شعوب وغطرسة سلطة، وظفت كل امكانياتها بما فيها الديمقراطية.
من بديهيات حماية الديمقراطية وجود قانون يسري على الجميع دون استثناء وتنقسم عملية الإدارة بين حقوق وواجبات، وهذه أيضا تسري على الجميع قد تكون داخل النظام استثناءات، لكنها بالضرورة لاتخل بالقانون ولا بالإطار العام له سواء من قبل المواطن أو من قبل الدولة نفسها، وقد أتبعت الأنظمة السياسية جملة من الإجراءات، التي تُعزز موقف الديمقراطية بعد أن أصبحت اسلوب حياة سياسية واجتماعية وباتت تحديداً المحركات الاجتماعية هي من تنظر وتدفع لتطبيق اسلوب الحياة هذه، لكن هذا لا يعني أن للديمقراطية ممارسات قد تتناسب مع جماعة بشرية ولا تتناسب مع أخرى بناء على الأفكار والمعتقدات التي تتبناها هذه الجماعات، وقد تتوافق مع مرور الزمن بناء على التطورات الحاصلة في المجتمعات، التي تحاول أن تمارس طقوسا وتدمج طقوسا حياتية مع طقوسها القديمة، لكن كل هذا قد يتعارض مع توجهات الأنظمة السياسية، خصوصاً تلك الأنظمة في منطقتنا العربية، التي مارست، ولا تزال تمارس الديمقراطية ذات العين الواحدة، فمنذ بداية ظهور حركات التحرير في خمسينيات القرن العشرين، التي صدعت رؤوس الشعوب العربية ولغاية اليوم، والمنطقة العربية في حالة من عدم الاستقرار السياسي المنبعث من توجهات أنظمتها، وباتت عملية فهم الديمقراطية، تتم من خلال ما تتوافق وتلك التوجهات، اما غير ذلك فهو خارج نطاق قوانينها، وينظر على أنه مؤامرة لا بد من القضاء عليها، بهذا التفكير المنغلق تم حكم هذه المنطقة دون استثناء وتم التعامل مع المواطنين كل حسب ولائه.
والعراق ليس ببعيد عن دوامة الديمقراطية غير الامستقرة بسبب التفسيرات، التي خلقت نوعا من عدم التوازن الفكري بالنسبة للأجيال، التي تحاول أن تتنفس الحرية والديمقراطية التي يحلمون بها، كما هي في باقي دول العالم أو كما يصورها العالم لهم، فما يحتاجه كل جيل هو أن يحصل على حقوقه ويحقق أحلامه، وهذه الفكرة بديهية حياتية وضرورة لديمومة العمل، على أساس الحفاظ على استقرار الدولة وصيانة كرامته، على اعتبار أن كرامة أي وطن ناتجة من كرامة مواطنيه، اما الديمقراطية وما تحتويه من مفاهيم، قد يتعامل البعض معها بصورة خاطئة هو ناتج عن فهمه اولاً لحقوقه وكيفية استحصالها، فالاستقرار يأتي من قناعة المواطن بأن ما يدور داخل الدولة يصب في مصلحته على اعتبار أن الإنسان، يعمل وفق مجموعة من المصالح الذاتية وما أن يشعر هذا المواطن بأنه جزء من هذا التكوين (الدولة)، يعمل بالضرورة على استقرارها، أما إذا كان الشعور بأن ما يحصل داخل الدولة، لا علاقة له بحياته ومصيره، فإن يعمل على استحصال حقوقه بشتى الطرق، خصوصا اذا كان الشعور أن ديمقراطية السلطة خانقة، ستكون تغذية الفكر استرجاعية، من ثم سيعمل على أن يكون فردا يعمل في أقصى الشمال وضد توجهات السلوك الديمقراطي ومترجم الأخير على قدر حاجته، بالتالي ستكون للديمقراطية أنياب تمزق أي نموذج، لأن الإجراءات، سواء من المواطن أو الدولة ستكون غير منطقية تحمل مخرجات عافية من قبل الطرفين، ما يعمل على تشويه السلوك الديمقراطي، ويقع هذا بالدرجة الأساس على عاتق الدولة، المتمثلة بحكومتها وإجراءاتها في مختلف التفاصيل، التي تمس حياة المواطن، وأن تبتعد بالضرورة على استخدام فكرة تجهيل أو تأطير كل من يتعرض على سياساتها بانتماءات خارجية مؤثرة على سلوكياته، بالتالي تكون الديمقراطية هنا سيف ذا حد واحد، لمواجهة أي اعتراض شعبي، مما تتم معالجته من قبل أي طرف بالمثل، بعد أن يتأكد الأخير من أن النظام السياسي يتعامل بالديمقراطية، ويستعين بها على أنها أداة قمع وعملية أساسية لديموته لا اسلوب تشاركيا تفاعليا مرنا.