سعاد البياتي
من هنا بدأت قصتها، تلك التي يعجز القلم عن ذكر مسيرة السيدة العظيمة، وما قامت به من دور بطولي واعلامي بعد واقعة الطف، وراحت تجزل الكلمات، وتهين الاعداء بكل شجاعة وتدبر، حتى وصفت بسيدة الطف وبطلة كربلاء وغيرها من الألقاب عميقة المعنى التي تستحقها، ويخجل القلم صدقا ايضا من البحث عن دورها الكبير مع أخيها الحسين (عليه السلام)، وكيف ادارت خطوط الحفاظ على هيبة الاستشهاد بقوة وفخر، رغم هول المصيبة ووحشيتها، فقد أظهرت شجاعةً وقوة عظيمتين، اذ رفعت رأسها عالياً وتحدثت ضد يزيد، ونددت بمعاملته السيئة للحسين وللركب الذي كان برفقتها من الأسرى، ولتشجبه بقوة أمام الله وأمام رعاياه في خطبتها المعروفة.
إلا أن قصة زينب لم تنته هنا، فبعد خطابها المؤثر والقوي ليزيد، بدأت بعدها مرحلة جديدة من ابراز همجية العدو والالتزام بالدين المحمدي، وكرست حياتها لتعزيز من أجل الاسلام بطريقة إعلامية غاية بالنضج والحرص على المحافظة على الصلاة والعبادات الأخرى، وبين عشية وضحاها، كانت قد خلقت دروساً ناصعة ومزدانة بكل ما يجب أن يكون عليه الاسلام والنساء المحافظات على الشريعة الاسلامية بتفاصيلها، التي أرست حقيقة ما يجب أن تكون عليه المرأة المسلمة.
هذه المرأة العظيمة تعد مصدر فخر وإلهام لكل النساء بلا منازع، فقد وجدت في زينب بنت امير المؤمنين عليهما السلام واحة شاسعة المعالم، ومصدراً للصبر والوفاء وأما حقيقية للأيتام، وسيدة ترتقي بكل شيء، هي التاريخ الذي لا ينطفئ نوره ابداً، والجبل الصامد والمدرسة العليا للقيم الروحية والانسانية بمعانيها السامية كبطلة نسوية حقيقية تصدت للدفاع عن العدالة وتعزيز نظام تعليمي راسخ، وأيقنت أنها منبع الحكمة حتى دفعها جمال كينونتها ومنطق ثباتها، لتقول مقولتها الراسخة إلى يومنا هذا (مارأيت إلا جميلا).
فلا بد أن نواسي ونكتب عن سيدتنا العقيلة بأعظم الكلمات، التي تليق بشأنها ومكانتها الخالدة في العقول وكتب السيرة، ونجدد عهد الوفاء لها، بحفاظناعلى مبادئ الاسلام والتأسي بصبرها وشجاعتها وحفاظها على بيضة الاسلام، ونحذو بقيمها نحو مراقي المجد والعرفان، حينما تركت لنا إرثاً عظيماً، فمن منا يستطيع في تلك الواقعة العظيمة أن يحدد سياق التاريخ ليخطه، ليرسمه رغم السبي والألم والمعاناة، التي تحملتها تلك المرأة المقدسة، ها نحن نقرأ كيف كانت زينب (ع) أختاً وناصرة وأمًا وكفيلة، لكننا لم نقف على حقيقة أنها كانت أول اعلامية حسينية حققت أصول هذه المهنة، وستبقى كذلك ما بقي الليل والنهار.