ثورة الإمام الحسين {ع} الأهداف والنتائج

آراء 2023/08/06
...

   أحمد الشطري


لكل محاولة تغيير أو فعل احتجاجي أو ثورة أهداف يسعى القائمون بذلك الفعل إلى تحقيقها، بيد أن الأهداف تختلف من حيث المنهج وصدق النوايا والثبات عليها، كما أن ردود الفعل تختلف من حيث القوة والقدرة والنتائج.

ولا تختلف الثورات أو محاولات التغيير من حيث المسعى إلى نقض ما هو موجود والإتيان بما هو أفضل منه على الصعيد المعلن، غير أن ثمة ثورات تكون ذات مبادئ سماوية والمتمثلة بثورات الأنبياء ومن هم يسيرون بهديهم، مهما اختلفت الوسائل ومثل هذه الثورات يبقى منهجها ثابتا مهما كانت نتائج الثورة بوجود قائدها، وهناك ثورات ذات مبادئ أرضية، وهذه نادرا ما تبقى على ذات الأهداف التي رسمتها قبل نجاحها.

ومن تلك الثورات ذات المنهج السماوي ثورة الرسول محمد(ص)، والتي بقيت على ذات المنهج الإصلاحي سواء قبل نجاحها أم بعده، حتى بدأت بوادر الانحراف الذي أوجب الوقوف بوجهه ومحاولة إعادة المسيرة إلى خطها المرسوم من السماء. 

فكانت ثورة الإمام الحسين (ع) هي التحدي الأكبر والتعبير الأوضح على حجم الانحراف، وخطره الذي يهدد بتقويض كل الأهداف، التي أرست دعائمها ثورة الرسول الأعظم (ص).

لقد أعلن الإمام الحسين منهجه وأهدافه منذ أولى خطواته في طريق الثورة، فأعلن بوضوح في كلمته المشهورة» ما خرجت أشِراً ولا بطِراً ولا مفسداً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر».

وهذه الكلمة على قصرها حملت عدة مؤشرات: أولها، تنزيه الثورة عن الاستكبار والاستخفاف والإفساد، وثانيها، بيان انحراف الأمة أو قادتها عن النهج الذي خطه الرسول (ص)، وثالثها، السعي لإصلاح مسيرة الإمة ومنعها من الإيغال بالانحراف.

وما يميز هذه الثورة أن مادتها ووقودها هم الأقربون من الأهل والأصحاب، وقد فتح قائدها الإمام الحسين(ع) الطريق لمن يرغب في الابتعاد عن مواجهة مخاطرها، ولعل هذه الميزة هي الفيصل بينها وبين الثورات ذات المنهج الأرضي؛ لكي يغلق المنافذ أمام من يحاول أن يتهم مناصريها بأنهم مغرر بهم.

وإذا كانت الثورة لم تنجح على الصعيد العسكري، فقد نجحت نجاحا كبيرا على مختلف الأصعدة، فقد أظهرت زيف ادعاءات الحاكم بأنه (خليفة رسول الله) وخاصة أمام أنصاره، الذين كان أغلبهم يعتقد ذلك، كما أسهمت في إطلاق صوت الثورة والرفض من أفواه الذين أغلق الخوف أو الوهم أفواههم.

وأوجدت معادلا ثابتا مثَّل طرفا معارضا ينتصب أمام أعين كل من يجلس على كرسي الحكم، ساهم بعض الشيء في الحفاظ على صورة ولو ظاهرية لأهم الأسس المحمدية. 

لقد بقيت صورة الثورة الحسينية ماثلة بمنهجها ومأساتها في قلوب وذاكرة المسلمين طيلة تلك الفترة، ثم ما لبثت أن أصبحت منارا مضيئا على الصعيد الانساني، بعد تحطم الجدران التي تحد من انتشار الفكر والثقافة بين الشعوب، ونما شعور حب المعرفة لدى الناس بمختلف توجهاتهم متجاوزا حواجز التلقين الأعمى، وهو بحد ذاته ثورة حريرية على العقل المتحجر المرتكز على ثقافة التجهيل والتضليل واليقينيات المورثة.