سعدي غزالة
لن ينسى تلك اللحظة، حين استقيظ في أحد الصباحات، على نغمة هاتفه المحمول، ليخبره أحد الأصدقاء بأنه قد نجح واجتاز مرحلة الدراسة المتوسطة، صرخ فرحا، وذهب إلى حيث تنام أمه وأخوته في الغرف الأخرى، ليبلغهم بنجاحه بصوت متحشرج، مليء بالدموع، لتتعالى بعدها أصوات الفرح والتبريكات.
الفرح لم يجعله ينسى أباه، الذي كان ذاهبا إلى مقر عمله في إحدى المؤسسات الحكومية، الأب الذي كان ينتظر هذا الخبر بفارغ الصبر، بعدما شعر بإحباط كبير، حينما لم يستطع ابنه في السنة الدراسية الماضية من النجاح، نتيجة إهماله واهتمامه بلعب كرة القدم، وسماعه لبعض الآراء، التي تقول إن الدراسة لم تعد نافعة، حين ربطتها بالحصول على التعيين في المؤسسات الحكومية.استعاد ذاكرته تلك اللحظات التي عاشها مع ابيه، وهو يبحث له عن مدرسة أهلية، كي تساعده البيئة الجيدة، التي عادة ما تكون متوفرة في مثل هكذا مدارس، على اجتياز المرحلة المتوسطة.بدأت رحلة البحث عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وما توفره من إعلانات عن المدارس الأهلية، كان ابوه يبحث بشكلٍ متواصلٍ عن مدارس ذات مواصفات جيدة ويحفظ عناوينها في هاتفه المحمول، لا سيما تلك القريبة على سكناهم. ومن منطقة إلى أخرى ومن زقاق إلى آخر، بدأت جولات ابيه، اذ كان يرافقه في أغلبها، كانا يقومان بزيارة كل مدرسة، للإطلاع على مرافقها التعليمية وطرقهم في التدريس، في محاولة من أبيه لإقناعه في الانتظام في إحداها، وبعد التجربة في إحدى المدارس الاهلية، حيث كانت أغلب تلك المدارس، تعطي يوما تجريبا وبشكل مجاني للإطلاع والمعايشة، وبعد تلك التجربة عاد ليخبر أباه، بأنه يرفض فكرة الانخراط في إحدى المدارس الأهلية، إنما يريد الانتقال لمدارس حكومية قريبة من بيتهم، استفسر الأب في حينها عن الأسباب، التي تجعله يفضل مدرسة حكومية على مدرسة أهلية، حينها قال لأبيه (لأن أصدقائي فيها)، لكنه في قرارة نفسه، كان يفكر بأجور المدرسة الأهلية، التي ستكون مكلفة بالنسبة لأبيه، صاحب الدخل المحدود.وفي المدرسة الحكومية بدأ يومه الدراسي الأول، ووجد نفسه محشورا في أحد الصفوف المكتظة بالطلبة. رحلة أبيه لم تنته باختيار المدرسة، فهو كان حريصا على متابعة مستواه الدراسي، والتأكد من انتظامه اليومي في الدوام، والاطلاع على نتائجه في الامتحانات الشهرية والنصف سنوية.تذكر كيف كان يواصل دراسته حتى ساعة متأخرة من الليل، لا سيما أيام الاختبارات النهائية، وكيف حرص أغلب أفراد أسرته على توفير أجواء جيدة له للدراسة والنجاح. كل تلك اللحظات كانت بكفة ولحظة تعرض أبيه لموقف محرج في كفة أخرى، حين رفض مدير إحدى المدارس الاهلية قبوله في المدرسة، لكونه كان راسبا في الموسم الدراسي السابق، وأنه ربما لا يحقق النجاح، وبالتالي سيؤثر في نسب نجاح المدرسة، لاحظ حينها كيف ارتسمت كل ملامح الخجل والارتباك على وجه أبيه، في تلك اللحظة الحرجة، قرر أن ينتصر له، ويثبت لإدارة تلك المدرسة التي رفضته بأن توقعاتها غير
صحيحة. اتصل بأبيه وصاح بفرح: ( بابا نجحت ، شكرا لك).