د. حميد طارش
تغطي المشكلات العراقية على بعضها، وربما، تجعلها منسيّة، خذ على السبيل المثال، مشكلة الكهرباء التي صرفت الأنظار عن مشكلة الخدمة الصحية الرديئة والتي لا تناسب ما يُصرف لها من موازنات مالية من مال الناس الذين لا يجدون في المستشفى التشخيص والعلاج، بل والأسوأ، التعامل الإنساني. وهكذا الامر، في ما يتعلق بالخدمة التربوية والتعليمية التي أصبحت، كسابقتها، ميداناً للتمييز، إذ يجد الأغنياء أفضل الخدمات الصحية والتعليمية في مستشفيات ومدارس القطاع الخاص، واما الفقراء فلا يجدون سوى الحرمان.
فشل الحكومات المركزية في تأمين الخدمات، ايضاً هو الآخر، غطى على فشل الحكومات المحلية، وهكذا الامر، عندما يفشل المحافظ في مركز المحافظة، فستكون الأحياء الأخرى غير صالحة للعيش، وتجدها كأنها من عالم آخر، وهي الأسوأ والأكثر حرماناً، ونرى يومياً بؤس تلك الاحياء من على الشاشات الفضائية، إذ يستنجد أبناؤها إلى حد الصراخ من حرمانهم من أبسط حقوقهم...الكهرباء والماء والخدمة الصحية والتعليمية ووو... ولا يغيثهم أحد، والصورة التي نشاهدها أصدق من الكلام.
لذلك كان حل مجالس المحافظات، لم يعنِ شيئاً لهم، مجالس المحافظات التي استترت هي الأخرى بفشل مجالس النواب في مكافحة الفساد والرقابة وتلبية حقوق الناس، الذين منحوهم الثقة وما يترتب عليها من امتيازات مقابل حمايتهم من المفسدين والفاشلين... لذلك عزفوا عن الانتخابات التي لم تحقق أحلامهم... الساسة هم من قرروا إعادة مجالس المحافظات، ولا حماس يذكر لدى الناس بالرغبة فيها أو الإيمان بما ستسفر عنه.
مشكلاتنا معقدة ومتداخلة، وبعضها يغطي على الآخر، أو تُشغل الأعلى عن محاسبة الأدنى، وهي الأخرى غطت على مشكلة الافراد سواء بدورهم السلبي في المواقف المطلوبة لتعزيز الإيجابيات ورفدها أو نبذ السلبيات ومنعها، فضلا عن توجيه خياراتهم في الانتخاب والاختيار والتضامن مع كل مايلبي حقوقهم، والتاريخ يثبت بأن الشعوب هي من تغير مصيرها، بل وستكون كلمتهم وقوتهم وعملهم ملهمة للحكام في توخي الحذر والعمل الجاد لإسعادهم، وهذا ما نجده اليوم في حكومات الدول المتقدمة فهم ليسوا ملائكة ولكنهم يخافون شعوبهم.