د. حامد رحيم
يحقق النشاط الاقتصادي في إطاره الفردي والجماعي البعد الوجودي للانسان فهو الضامن لقوته و ملبسه ومسكنه صعودا إلى حاجاته الاخرى ذات الطابع الاسري كمستقبل أولاده، ولا ينتهي عند تحقيق رغباته من سطوة ونفوذ وغير ذلك من نزعات النفس البشرية، فسعي الانسان نحو تعظيم دخله عبر نشاطه الاقتصادي، ما هو إلا وسيلة لكل ما تقدم، وعليه فالانسان في صراع دائم مع محيطه من اجل تحقيق طموحاته فتجده يتمدد على حساب مصالح الآخرين، متجاوزا القوانين السائدة في ظل ضعف سطوة الدولة، والعكس صحيح.
ومن تجليات ذلك ما يعرف (باقتصاد الظل)، وهو ذلك النشاط الاقتصادي غير المرصود رسميا، أي أنه خارج الحسابات القومية للدولة، وهو غير النشاط الاقتصادي الرسمي أو المرصود رسميا، الذي يظهر في الحسابات القومية، فنجده في خارطة الناتج المحلي الاجمالي على شكل مساهمات قطاعية والقوى العاملة فيه تحسب ضمن معدلات التشغيل الوطنية، ويكون مصدرا للضرائب الحكومية ويسهم ايضا في الميزان التجاري اذا ما كان موجه للتصدير.
ان اقتصاد الظل يصنف إلى نشاط غير قانوني مثل تجارة المخدرات والتهريب وتجارة البشر ومنظومات الفساد وغيرها، اما النوع الثاني، فهو نشاط لا يتعارض مع القوانين مثل (البسطات) للباعة على الارصفة والباعة المتجولين والتجارة الالكترونية غير المرصودة ضريبا وغيرها ولا يوجد اقتصاد على وجه المعمورة لا يحتوي على هذا الشكل من النشاطات بدرجات متفاوتة تبعا لقوة الدولة وسطوة قانونها.
في العراق لاقتصاد الظل مساحة كبيرة جدا سواء في شكله الذي لا يتعارض مع القانون ونجد ذلك في عدد البسطات والباعة المتجولين ذات الاعداد الكبيرة، وغيرها ويعود ذلك إلى ضعف النشاط الرسمي في استيعاب القوى العاملة مما يدفعهم إلى هكذا نشاطات مع ضعف الرقابة والرصد من قبل اجهزة الدولة الرسمية، وشكله الاخر غير القانوني عبر عمليات الفساد الكبيرة وتحويل المال العام نحو قنوات ضيقة لجماعات متنفذة، وهذا ما ينشر في التقارير الاخبارية من عمليات كبرى تتعلق بتهريب المشتقات النفطية، كذلك تجارة المخدرات المتفاقمة وتجارة البشر والتهريب عن طريق المنافذ الحدودية الرسمية وغير الرسمية وغير ذلك الكثير الامر الذي يفسر غياب التنمية الاقتصادية طوال هذه السنين، بالرغم من ما يعلن رسميا عن الايرادات الوطنية بالدولار والتي فاقت الواحد والنصف ترليون دولار، وكل ذلك يعكس حقيقة مفادها بأن الطبقة السياسية المتنفذة هي ذاتها في الاعم الاغلب تعد صقور اقتصاد الظل في العراق.
إن تداعيات اقتصاد الظل في العراق بشقه الاول تتجلى في حجم التجاوزات على شبكة الحماية الاجتماعية، فنجد بعض هؤلاء ممن يمتلكون نشاطات اقتصادية مدرة للدخل، يسجلون عاطلين عن العمل، بسبب أن نشاطاتهم غير مرصودة ضريبا، فلا تظهر أسماؤهم في قواعد البيانات الرسمية مما يزاحمون حقوق الاخرين العاطلين فعلا عن العمل.
اما الشكل الاخر وهو الأشد خطورة فتداعيته وخيمة جدا على الاقتصاد، ولعل غياب المشاريع التنموية بسبب تحول اموال الدولة إلى قنوات ضيقة تخدم مصالح أفراد وكيانات محدودة، ويذهب جزء مهم منها لتغذية صراعات اقليمية ودولية على حساب الاستقرار السياسي والاجتماعي الوطني وهذا ما يفسر إلى حد كبير ظهور طبقات مترفة على حساب معدلات الفقر والبطالة العالية في مجتمعنا، والتجليات الأخرى هي الاسعار الملتهبة للعقارات، بكل أشكالها كون هذا القطاع هو الاكثر جذبا لغسيل الأموال، وهذا ما صرحت به التقارير الاخبارية على سبيل المثال ما يعرف (بسرقة القرن)، التي بينت أن اكثر من مئة وخمسين عقارا في أرقى مناطق بغداد، تم شراؤها بالأموال المنهوبة من الدولة، مما صعب مهمة شراء المنازل امام الافراد واصبح الحصول على السكن في العراق معضلة كبيرة بسبب الاسعار العالية جدا.
ومن الأمور التي رافقت عمل اقتصاد الظل في شقة غير القانوني هو ما يعلن بين الحين والاخر من عقوبات دولية ينفذها البنك المركزي العراقي على الجهاز المصرفي العراقي بسبب نشاطها غير القانوني في التعامل بالدولار، وما الاشكالات في عمل نافذة بيع العملة وتذبذبات سعر الصرف في السوق الموازية الا تجليات أخرى.
إن المعالجة تكمن في بسط الدولة لنفوذها في كبح جماح صقور النشاط الموازي، والتي يبدو أنها صعبة على الحكومات المتعاقبة بسبب شكل النظام والسياسي وطبيعة الطبقة المتحكمة بالقرار السياسي والاقتصادي الأمر، الذي قد يقود مستقبلا إلى تكاليف باهظة يدفعها المجتمع العراقي.