عبد الحليم الرهيمي
شهد العراق في الآونة الاخيرة تطورات متسارعة ومهمة في علاقاته مع دول مجلس التعاون للدول الخليجية لاسيما مع المملكة العربية السعودية، وكذلك في مسار علاقاته مع دول الجوار والأقليم وخاصة مع ايران وتركيا والاردن .
هذا الحراك الدبلوماسي الاقتصادي السياسي الأمني بين العراق وهذه الدول، انما يمثل تطوراً مهماً وغير مسبوق وينطوي على دلالات ستراتيجية فضلاً عن ما انطوى عليه من مصالح اقتصادية بما يعد به من مساهمة هذه الدول في اعادة اعمار العراق وتوسيع حركة الاستثمار في مختلف المجالات التنموية والعمرانية وخاصة تلك التي يحتاجها العراق بعد القضاء عسكرياً على داعش بتحرير المناطق التي احتلها .
وفي هذا السياق تأتي زيارة وفد مجلس التعاون لدول الخليجي العربي يومي 23 و 24 نيسان المنصرم برئاسة الأمين العام للمجلس عبد اللطيف بن راشد الزياني، حيث التقى الوفد برئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية ثم انهى الوفد زيارته بتوقيع (مذكرة تفاهم) بين رئيسه ووزير الخارجية العراقية .
لقد جاءت هذه الزيارة لوفد الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي لحضور الاجتماع الثاني لـ( لجنة الحوار الاستراتيجي بين العراق ودول مجلس التعاون الخليجي ) الذي اعلن عن تأسيسه في آذار من العام الماضي 2018 والذي حددت مهمتها الرئيسة بتوسيع الحوار والعلاقات بين بلدانه في مختلف الصعد وفي مقدمتها التشاور والحوار وتبادل وجهات النظر حول قضايا المنطقة . غير ان زيارة وفد الامانة العامة لدول مجلس التعاون و (لجنة الحوار الاستراتيجي) تعدت بأهميتها هذه المرة عقد الاجتماع الثاني لهذه اللجنة، لتعبر أيضاً عن دلالات ومضمون التطور المتسارع لعلاقات العراق مع الدول الخليجية والتي كان ابرزها التطور الكبير في العلاقات العراقية السعودية وفي الزيارات المتبادلة لوفود عالية المستوى بين العراق وهذه الدول والتي جرت وتجري في ظروف بالغة التعقيد والخطورة التي تمر بها المنطقة والمتمثلة باحتدام الصراع بين ايران والولايات المتحدة واحتمالات انعكاسات اثاره على العراق ودول مجلس التعاون الخليجي التي تعاني بدورها، اضافة لذلك، من آثار الخلاف والصراع بين عدد منها وايران .
من هنا تتبدى الاهمية الكبيرة لزيارة وفد الامانة لمجلس التعاون الخليجي و (لجنة الحوار الاستراتيجي) للحوار والتشاور والتفاهم حول ما يجري في المنطقة من احداث وتطوراتها المحتملة، وهي الاهمية التي اشارت اليها زيارات الوفد ولقاءاته مع رئيسي الجمهورية ومجلس الوزراء ووزير الخارجية والامين العام لمجلس الوزراء وبما عبرت عنه هذه اللقاءات من حوار وتفاهم وتأكيد العراق ووفد امانة مجلس التعاون على تعزيز وتطوير العلاقات بين الدول الخليجية والعراق .
واذ اكد كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء خلال لقائهما بوفد مجلس التعاون على ضرورة واهمية توطيد وتعزيز العلاقات بين العراق وبلدانه وتجاوز خلافات الماضي وحساسيتها والنظر، بدلاً عن ذلك، الى مستقبل واعد ومثمر وبناء بينها، فقد لخصت (مذكرة التفاهم) بين الجانبين التي وقعها رئيس وفد الامانة العامة ووزير الخارجية العراقية، الاجواء الايجابية التي سادت اللقاءات والحوارات بين الوفد الزائر وكبار المسؤولين العراقيين . وقد نصت تلك المذكرة على ضرورة ( اجراء حوارات منتظمة في القضايا ذات الاهتمام المشترك ) وتأكيد الزياني رئيس الوفد لوزير الخارجية العراقي (بأن هذا التطور غير المسبوق في العلاقات بيننا يمهد الى التحول باتجاه تعميق هذه العلاقات بين العراق ودول مجلس التعاون الخليجي ) وكذلك تأكيده على (ان القادة الخليجيين قد اتخذوا قراراً بأهمية الشراكة الستراتيجية مع العراق واهمية السعي للوصول اليها .. ) وقد ختم رئيس الوفد كلمته بحضور وزير الخارجية بالقول (انقل لكم تحيات قادة دول مجلس التعاون والتأكيد على توفر الارادة السياسية والنوايا الصادقة لدعم العراق ومساندته وامنه واستقراره .. ) وقد اكد وزير الخارجية بالمقابل (عمق العلاقات المميزة والقوية للعراق مع دول مجلس التعاون والتي ستسهم في تقوية الاواصر بينهما وتحقيق التعاون المشترك .. ) .
لاشك ان هذا التطور المتسارع وغير المسبوق في العلاقات العراقية الخليجية بعد قطيعة وخلافات دامت لاكثر من ثلاثة عقود، انما يشرع الابواب واسعة لتعاون مثمر وبناء بين العراق وهذه الدول سواء بالتنسيق الامني لمحاربة الارهاب وداعش، او بتطور وازدهار العلاقات الاقتصادية والاستثمارية والسياسية وبمختلف المجالات الاخرى بما يعود بالفائدة والخير والتقدم والازدهار لهذه البلدان وشعوبها .