د. جبار خماط حسن
كثيرا ما يراودني التفكير بمستقبل شبابنا الذين تاهوا في دروب تشعبت أهدافها، تقاطعت بهم، لم تعد بوصلتهم تشير إلى النجاحات التي تحدد توازنهم النفسي والصحة في علاقتهم مع البيئة
والمجتمع.
قبل أيام كنت في كربلاء، بدعوة من جمعية كشافة الكفيل، في مهرجان يهدف إلى اكتشاف المواهب وتطويرها، اجتمعت كشافة المحافظات العراقية، في مخيم كشفي، فيه من الانضباط وإدارة الوقت، والتواصل ما بين الكشافة وقادتهم، نسق سلوكي تواصلي يقوم على الاحترام والعطف، فالكبير يعطف على الصغير، والأخير يحترم الكبير، مخيم فيه رحلة اكتشاف وبناء الشخصية، وتعبيد الطرق النفسية والاجتماعية ما بين أفراد الكشافة.
الله والوطن والشعب، ثالوث التحية والتواصل.
تساءلت، لماذا لا تعمم تجربة الكشافة في مدارسنا؟
مع التخطيط لرحلة اكتشاف تقوم بها المدارس، لاكتشاف بيئات جديدة يتفاعل معها الشباب معرفة وتجربة تعايش مباشرة، بهذا التوجه، ينتبه الشباب إلى بناء الذات وتدعيم قدراتهم ومواهبهم، بديلا عن انغماس الشباب في وسائل التواصل الاجتماعية والمواقع الالكترونية، التي زرعت فيهم التواصل شبه منقطع مع الاخر والبيئة المحيطة بهم، لأن أغلب الشباب، أدمنوا عوالم افتراضية، تقدم حلولا جاهزة، يتوهم الشباب أنها وصفة سحرية، تعطي لهم مستقبلا في راحة الكف، متناسين أن تحقيق الذات يأتي من حماسة الجهد والمثابرة والايمان بالمستقبل، الذي يصنعه الحاضر بتخطيط متقن ينطلق من الامكانات المتوفرة، وكيف تطويعها لإزالة اليأس لدى الشباب.
لنا في قبائل قبائل (البوير) مثالا لصناعة الذات الناجحة في مواجهة التحديات والخروج منها بسلامة النجاح، ماذا تقوم تلك القبائل مع شبابها الفتيان؟
يأتون بالشاب، يدهنون جسمه بالطين، وسيلة لعدم اكتشاف الحيوانات المفترسة لرائحة جسمه، يسلمونه رمحا وترسا، يتركونه وحده في الغابة لمدة شهر، يعتمد على ذاته، يكتشف آليات دفاعية لحماية نفسه، من مجهولات الغابة ورعبها.
إن عاد الشاب سالما، تحتفل القبيلة بسلامته، وتكون الجائزة، حرية اختياره للمرأة التي يريد من نساء القبيلة، لديمومة النسل.
ثمة محمية في مناطق الهنود الحمر، تسمى منطقة كوفنج، يعيش فيها ضابط بريطاني، استوحى من حياة الهنود الحمر، فكرة الكشافة 1920.
ثمة من يقول: إن الشباب لا يقرؤون، وإذا تريدون إبداعا في الحياة، فاعلموا أنه لا يأتي من عدم، من أساسيات العمل الناجح التحلي بالصبر، من دون المعرفة لا يوجد إبداع، من دون ذاكرة حية، لا توجد دافعية للاكتشاف والانتقال من الكائن إلى ما ينبغي أن يكون، كل شيء مفيد، يمثل مصدرا للمعرفة، سواء كانت من القراءة أو من الحياة اليومية، كل ما حولنا، من نصيب مصادر المعرفة، التي تتوزع بين أربعة، الحس والعقل والحدس والتجربة، ضرورية لدى الشباب، للإمساك قدر المستطاع.
بالمتغيرات السريعة، الذي يشهدها العالم من حولنا، حتى أصبح شعار (من يمتلك المعلومات هو الأقوى)، لأنك بالمعرفة ومصادر المعلومات، تكون متوازنا تحقق سلوكا منضبا، من دون تشويش يعطل العمل ويهدر الناتج الفردي والجمعي على حد
سواء.
في (حي بن يقظان) أول رواية تسرد لنا كيف نتعلم ونؤسس معارفَ من تجارب عملية نخوضها في الواقع، نتعب، نخاف، نتحلى بالشجاعة، نبادر ونحاول، المهم الا نتوقف، فيضيع ما انجزناه، بسب مخاوف أو ضغوط أوهام الفشل، التي يعاني منها الكثير من شبابنا، لأنهم فقدوا شغف المحاولة والاكتشاف.
إن فكرة القائدية، تنطلق من فكرة كيف تكون قائدا، تبني ولا تهدم، تصل ولا تقطع، تعطي ولا تشح، قانونها إننا في تجربة لا تتوقف نتعلم منها، كيف صناعة الذات أمام تحديات الواقع وإكراهات المجتمع.
أجد ضرورة إعادة التفكير بعودة الكشافة في مدارسنا، لأنها تمتلك تقاليد صارمة، وأعباء وواجبات، تعلم الشاب إدارة الوقت وفن الحوار، وصناعة القرار واتخاذه بثقة العارف، وصولا إلى الشخصية القيادية، التي ينبغي أن تكون ثقافة مجتمعية، في البيت والمدرسة والأسواق والشارع والمؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني.
لذا بناء فكرة القائدية لدى شبابنا، تحقق لديهم القدرة على بناء المستقبل، بطاقة اداء متجددة، بعيدا عن التابعية، التي عطلت العقول، وأوقدت الغرائز التي وقودها الهدم وصناعة الأوهام.