الترسيم القسري لا ينهي الخلاف

آراء 2023/08/08
...

 سالم مشكور


التلاعب بمشاعر الناس واستثارة عواطفهم، منهج يتبعه الحكام وقادة الأحزاب والكتل السياسية على الدوام، من أجل تحريك الجمهور نحو أو ضد موضوع أو خصم أو إدخاله في جدل ونقاشات لإشغاله عن نقص يعانيه أو موضوع أو سياسة يجري تنفيذها. لا نحتاج إلى أمثلة للاستدلال على حجم استخدام هذا المنهج في الساحة العراقية، سواء كان في مرحلة ما قبل 2003 أو بعدها وصولا إلى يومنا هذا. من مساوئ هذا المنهج هو تلاعبه بعقول الجمهور وبناء وعي مشوّه لديه يؤدي إلى رأي عام مغلوط تجاه قضايا حساسة. 

قد يربح صاحب هذا المنهج على المدى القصير لكنه يخسر ثقة جمهوره على المدى البعيد، كما أنه يسهم في خراب البلاد عبر بناء هذا الوعي المشوّه، الذي يدفع بالعواطف إلى منزلقات خطيرة. يندرج في هذا السياق النقاش المثار حول «تسليم أم قصر» إلى الكويت، وما صاحبه من ثورة عاطفية- وطنية عند جمهور ضاق ذرعاً بالتفريط بحقوق العراق. 

وإذا كان العراقي لم يستطع حتى الإفصاح عن انزعاجه من سياسات النظام السابق في ظل ماكنة الوحشية التي حكم بها، فإنه اليوم يمارس الرفض والنقد وحتى التخوين علناً. نقطة إيجابية أن يصبح الرأي العام ضاغطاً على مركز القرار. الإيجابية تتحقق عندما يكون الوعي سليما مبنيا على حقائق وليست افتراءات ومعلومات مضللة. ما نشهده هو تحريك العواطف على أساس الخلط بين الحقائق والأوهام والمعلومات المضللة. فكانت فرصة مؤاتية لأبناء المرحلة الصدامية وخطابهم الموَرّث للأبناء، لاستنهاض المقولات التي رافقت حماقة غزو الكويت. أثارت أيضا عواطف جماهير ترى في ضعف العراق وتهاون سياسييه منذ 2003 سببا لتمادي الدول الأخرى على سيادة العراق ومصالحه. 

تسليم أم قصر لا أساس له. كان هناك تسليم لقاعدة ام قصر البحرية، وترسيم للحدود بقرار من الأمم المتحدة لم يشارك فيه العراق. الخبراء يؤكدون أن الترسيم فيه غبن لحق عراقي سيظل- حتى في حال الرضوخ اليه- ناراً تحت الرماد، تتصاعد بين الحين والآخر لتعكّر صفو العلاقة بين جارين. الجار الكويتي يحتاج إلى حنكة واستلهام من دروس الماضي. عندما حرّضه الأميركيون على عدم الاستجابة لمطالب العراق، قاموا في الوقت نفسه بالإشارة لصدام بأنهم لن يتدخلوا في الأسلوب، الذي يتبعه ضد الكويت، فكان فخ الغزو.

لا مجال لتكرار تلك الحماقة ثانية، فصدام ونهجه انتهيا إلى غير رجعة، ولم يعد بالإمكان تكرار الغزو الذي توقعه سعد البزاز في كتابه «حرب تلد أخرى»، عندما قال «سيتفرغ العراق لمسألة الكويت في ربع القرن المقبل ليحسمها نهائيا». 

كتب ذلك بداية التسعينيات من القرن الماضي، ولم يكن يتوقع سقوط صدام ونظامه لاحقاً. لا غزو جديدا، ولا مجرد تفكير بالضم، لكنه الآن خلاف حدودي رغم الترسيم الاممي. 

 زوال صدام لا يفتح المجال أمام قبول عراقي بأي تمدد كويتي، مستغلا ضعف العراق وإمكانية شراء ذمم بعض سياسييه. 

هؤلاء يرحلون ومن يخلفهم لن يسلك مسلكهم بالضرورة.

التحجج بالترسيم وفق القرار الأممي لن يطفئ الإحساس بالغبن، واستغلال ضعف العراق الحالي سيزيد من حنق الشارع ضد الكويت، وهو ما يشكل أرضاً خصبة لتفشي خطاب المرحلة السابقة.

القرارات الأممية تتغير في حال توصل الجانبان إلى تفاهم جديد، يقوم على قاعدة الحق والانصاف والنوايا الصادقة بنزع فتيل النزاع نهائياً، بدل اخماده مؤقتاً برشوة أو ابتزاز، أو اعتماد اللغة الاستعلائية التي لا يمكن أن يقبلها الكبرياء العراقي. 

طالما كانت النزاعات الحدودية بين العراق والكويت، كما بين كل الدول الخليجية، أداة يجري تحريكها خارجياً، واللبيب من يعطّل هذه الأداة.