مناطحة الحيتان على السمكة الإفريقية

آراء 2023/08/08
...

 سناء الوادي 


ها هي ذي دولة أخرى من دول الساحل الإفريقي تتخلى عما يسمى “الحليف” الفرنسي، لتنضم إلى جاراتها اللاتي سبقنها إلى أحضان الدب الروسي، ففي يوم السادس والعشرين من تموز الفائت، قام قائد الحرس الرئاسي في النيجر عبد الرحمن تشياني بالاستيلاء على السلطة واغتيال العملية الديمقراطية فيها، والتي أفرزت وصول الرئيس محمد بازوم إلى سُدّة الحُكم، حيث تم احتجازه وعائلته في القصر، وسجن أعضاء الحكومة، ولربما هذا الانقلاب التي شهدته النيجر حسب تحليل البعض من السياسيين، قد يكون مؤشراً لاندلاع حرب شعواء في القارة السمراء. 

في مقال سابق كنت قد أشرت إلى الرغبة الروسية الغريزية بضرب الخصوم في عقر مصالحهم، وكف أيديهم عن مناطق نفوذهم بمقابل فرد الأجنحة الروسية عليها، ولا شك أن بوتين المخضرم في المخابرات السوفياتية قد عقد النية على اللعب مع الأعداء على حبالٍ في الهواء بحرفية كبيرة، فها هو ينقل الصراع من على حدود بلاده إلى القارّة، التي يقتات عليها شعب المليار السعيد “أوروبا “ ليطعن الخاصرة الأميركيَّة والفرنسية طعنة قاتلة قد تودي بثرواتهم، التي يستولون عليها من ذهب ومعادن نادرة ويورانيوم يأخذونه بثمن بخس من أفريقيا.

لوعدنا بالذاكرة عامين إلى الوراء إلى حيث الانقلاب، الذي حدث عند جارتي النيجر مالي ويوركينا فاسو وما نجم عنه من الخروج من العباءة الفرنسية وقطع علاقتهم بها، وهنا بالذات يقبع بيت القصيد حيث لم يتبقى لباريس غير معقلها الأخير وهو النيجر مَنْ يمدّها باليورانيوم الذي يعطيها 70 % من طاقتها الكهربائية ناهيك عن الذهب الذي غدت به فرنسا تحتل رابع احتياطي به في العالم، ناهيك عن أنّ الناتج المحلي لتلك الدول محفوظ في بنوكها وبطبيعة الحال فإن عملاتها تطبع في باريس، ذلك يفسر مليّاً غضب الرئيس الفرنسي ماكرون عند سماعه خبر الانقلاب وتهديده بردِّ فعلٍ قوي تجاهه، كيف لا وهو الذي ركّز بسياساته امتداد من سبقه من القادة بإصلاح العلاقات مع دول القارة ودعم التكتل الاقتصادي لدول غرب إفريقيا “ إيكواس”، فضلاً عن الزيارة التي قام بها ماكرون إلى راوندا للاعتذار عن الإبادة الجماعية، التي حصلت عام 1994م، فالسياسة التي حاولت طيلة الأعوام السابقة على إصلاح أخطاء الماضي يبدو أنها غير كافية بالنسبة للأفارقة، فلم تسهم بأية حال بتحسين الأوضاع الاقتصادية لهم ومساعدتهم على النهضة والاستفادة من مواردهم الطبيعية في سبيل ذلك، بل 

على النقيض من ذلك رسخت التخلف والفقر والنزاعات القبلية واستغلّت ذلك لمصلحتها وساعدت أتباعها بالوصول لكرسي الرئاسة، حفاظاً 

على استمرارية وجودها المادي والعسكري المتمثل بقاعدة عسكرية لباريس في نيامي بتعداد 1500

جندي واثنتين لأميركا تعدُّ الأكبر في العالم للطائرات المسيّرة مع تواجد 1100 جندي أميركي، لذلك فإن اجتماع قادة الإيكواس في أبوجا 

عاصمة نيجيريا الحلفاء بشدة للغرب، والذي كان على خلفية الانقلاب الحاصل قد نتج عنه إعطاء قادة المجلس العسكري في النيجر مهلة أسبوع لإعادة الأوضاع على ما كانت عليه، وإلا فالتدخل المسلّح بدعمٍ من الغرب، وقامت بإيقاف التبادلات التجارية معها، لتجتمع في اليوم التالي قادة دول مالي وغينيا وبوركينا فاسو وتخرج ببيان مشترك، يعدُّ أي تدخل أجنبي في نيامي بمثابة إعلان الحرب عليها، ويحظر بيع اليورانيوم لفرنسا – هذه الدول المدعومة من قوات فاغنر الروسية، والتي يبلغ تعدادها في دول إفريقيا خمسة عشر ألف مقاتل - لك أن تتخيل المشهد الدامي إذا ما انتهت المهلة، ولم يعد بازوم للرئاسة خاصةً وأن عدوى الهياج الشعبي ضد فرنسا قد انتقلت إلى السنغال وتشاد برعاية روسية خفية.

ضمن هذا السياق يحيّر البعض الصمت الأميركي تجاه ما يحدث فهي حتى هذه اللحظة لم تسمّي ما يجري بالانقلاب، لربما خشية قطع المساعدات المقدمة للنيجر بما فيه من قطع الإمداد لجنودها وقواعدها أو قد تريد أن تحارب الإيكواس عنها بالوكالة ذلك التمدد الروسي، أمّا فيما يخص الجانب الصيني التي يراقب بحذر تطورات الأوضاع في البلد التي تعتبر بكين ثاني المستفيدين من اليورانيوم فيها ناهيك عن أذرع التنين التي تتوسع في دول القارة السمراء بدءاً من جيبوتي وأريتيرية، ومن المرشح بناء قواعد جديدة لها في سيريلانكا والكاميرون وموريتانيا وغيرها لتأمين خطوط التجارة على طول مشروع الحزام والطريق من أي عقوبات مستقبلية تعرقل المبادرة، ومن هنا فإنها تقوم بتهيئة عدة موانئ إفريقية إضافة لأعمال التنقيب عن المعادن اللازمة لإنتاج الرقائق الإليكترونية.

لكلِّ حوتٍ من الحيتان التي تحدثت عنها أطماع في السمكة الإفريقية، وسيسعى للنصر بكل ما أوتي من القوة، وكالعادة فالشعوب الفقيرة تزداد ويلاتها بازدياد المتناحرين على قسمة التركة.


 كاتبة سورية