كيسافا باكيري، ناتالي كارني
ترجمة: مي اسماعيل
منذ الحرب الباردة حازت سويسرا سمعة طيبة وقوية في بناء وتجهيز الملاجئ المضادة للقصف تحت الأرض. واستقطبت تلك الجهود أحيانا انتباه بعض من القادة الطغاة حول العالم. وأصبحت تلك الملاجئ تدريجيا جزءا مرتبطا بالهوية السويسرية، كما هو حال الشوكولاته والساعات والمصارف الشهيرة. وفق القانون يحق لكل شخص في سويسرا الحصول على مكان في ملجأ تحت الأرض، بما يساوي على وجه التحديد: متر مربع واحد/ شخص. وهو البلد الوحيد في العالم الذي يمتلك مثل هذا القانون، الذي صدر عام 1962.
تلك الإرادة السياسية، التي حفزتها مخاوف أثارها القصف النووي لمدينتي هيروشيما وناغازاكي، وفوق كل شيء: حالة عدم اليقين التي سادت سنوات الحرب الباردة، قادت إلى إنشاء "المكتب الاتحادي للحماية المدنية" عام 1963، ومهمته فرض الالتزام ببناء ملاجئ أو مخابئ للدفاع المدني. تلك الخصوصية في التفكير، التي استقطبت الانتباه خلال العام الماضي بسبب حرب أوكرانيا، أكسبت سويسرا سمعة عالمية، وحدت ببعض الدول (والطغاة) للطلب من الشركات السويسرية بناء وتجهيز ملاجئ لهم. تقول "سيلفيا برجر ضياء الدين" أستاذة التاريخ المعاصر بجامعة برن في دراستها المسماة: " صعود سويسرا إلى الخبرة العالمية بتجهيز الملاجئ في العصر الذري" انه اعتمادا على التقارير الصحفية، فقد عملت الشركات السويسرية لإنشاء ملاجئ العراق خلال الثمانينيات، وكذلك في ليبيا. وهو ما يدعمه قول "إسكندر جوتا" أحد القيّمين الثلاثة على معرض يقدم ملاجئ تحت الأرض أقيم في لوزان
مؤخرا.
تصدير المعرفة
عملت الشركات السويسرية أيضا لإنشاء بنى تحتية عسكرية، منها- مستشفيات تحت الأرض وملاجئ مصممة لعشرات الآلاف من الأشخاص، وهو ما أكدته د. سيلفيا في دراستها عن سويسرا خلال الحرب الباردة، وعن ملاجئ الدفاع المدني. وعلى كل حال، وباستغلال الخوف من الحرب الباردة والصراع النووي المحتمل، وضعت دولة سويسرا الصغيرة تدريجيا "المعيار الذهبي" لتصميم وتكنولوجيا الملاجئ. وقالت سيلفيا: "أطلقت إرشادات البناء ونقل التكنولوجيا (مع الولايات المتحدة على وجه الخصوص) صناعة الملاجئ السويسرية كمسيرة ناجحة عالميا، وتمثل مواصفات تصميم الملاجئ (الخاصة والعامة) السويسرية حتى اليوم نقطة مرجعية عالمية، كما تهيمن المنتجات السويسرية على سوق تكنولوجيا وتجهيز ملحقات الملاجئ".
منذ عام 1962 أنفق سويسرا نحو 13 مليار دولار على بناء الملاجئ النووية، وأغلبها مملوكة للقطاع الخاص، توجد في أقبية المباني السكنية أو منازل الأسرة الواحدة. وتقع على سلطات الكانتونات مسؤولية ضمان بناء وصيانة تلك الملاجئ. وما يثير العجب أن السياسات الرسمية للادارة تتباين بين كانتون وآخر. يقول "إسكندر جوتا": كانتون فريبورغ على سبيل المثال به ملاجئ عامة بنسبة مئة بالمئة، بينما يوجد العكس تماما في كانتون أبنزل إنر رودس، حيث لكل دار ملجأه الخاص". ووفقا للمكتب الاتحادي للحماية المدنية، أصبح لسويسرا نهاية العام الماضي تسعة ملايين مكان في نحو 370 ألف ملجأ، بضمنها تسعة آلاف ملجأ عام، لتخدم تسعة ملايين ساكن.
في أوائل شهر أيار الماضي أعلن المكتب الاتحادي بدء عملية التخلص التدريجي من الملاجئ الصغيرة، (التي تستوعب سبعة أشخاص) لصالح الملاجئ العامة غالبا والأكبر حجما. وكان أحد الاسباب المطروحة، لذلك تقادم أنظمة التهوية التي مضى عليها أكثر من 40 عاما ولم تعد تُصنع. هذا القرار سيؤثر في نحو مئة ألف منشأ ذات سعة نحو 700 ألف مكان كما يقول "أندرياس بوشر"، من مكتب الحماية المدنية. ويمكن تحويل تلك الملاجئ الصغيرة لاستخدامات منزلية اخرى، أما الملاجئ الكبيرة الملغاة، والتي يمكنها ايواء ما بين 300 إلى خمسة آلاف شخص، فتسعى السلطات لإيجاد استخدامات مختلفة لها. ومن تلك الاستخدامات: مواقع تدريب للفنون وكنيسة ومعارض ثقافية أو ستوديوهات لتسجيل الموسيقى. وأحيانا كانت تلك الملاجئ تستخدم لايواء طالبي اللجوء، شريطة أن تكون فترات البقاء فيها قصيرة، ووجود أماكن أخرى للاستخدام خلال ساعات النهار.
حرب أوكرانيا
دفعت حرب أوكرانيا السويسريين لتفقد معدات الملاجئ وتجديد تجهيزاتها تحسبا للطوارئ، إذ كثفت تلك الحرب القلق من جاهزية الحماية المدنية في الدول الأوروبية. ودفع الخوف من انتشار العنف، دولا اخرى لتقرير كيفية حماية المدنيين في مواجهة الهجمات، وهو أمرٌ لم يكن متصورا منذ سنوات قلائل. ورغم أن توفير مساحة ملجأ لكل شخص سياسة فيدرالية في سويسرا، لكن تنفيذها وتنظيمها يكون من قبل الكانتونات. يقول "ماركوس فراونفيلدر" رئيس دائرة الحماية المدنية لكانتون سانت غالن الشرقي: "بوجود 38 غرفة في المبنى، فعلى المالك بناء ملجأ يتحمل تكاليف انشائه". واذا لم يتوفر في المنطقة عدد كافٍ من الملاجئ، فعلى الادارات المحلية بناء وتجهيز ملاجئ عامة. وتبدو الملاجئ أحيانا أشبه بمواقف سيارات للمبنى، ما عدا وجود نظام لتنقية الهواء ومواقع المرافق الصحية الجافة وأبواب سميكة مزدوجة مضادة للانفجارات. وهناك أيضا فتحات للخروج الطارئ وأسرّة ضيقة ثلاثية الادوار سهلة التركيب. تلك الملاجئ مصممة لمواجهة تأثيرات الحرب المعاصرة، بما فيها الاسلحة النووية والبايولوجية والكيمياوية، وفق توضيح "أندريا لي" من إدارة الحماية المدنية: "تصاعد قلق السكان بعد الحرب في أوكرانيا، وطالبوا بمعرفة الاستعدادات لمواجهة أي طارئ".
تلقت الإدارة طلبات لتدقيق حالة الملاجئ واصلاحها أو صيانتها، وباتت حالة الشركات، التي تقوم بتلك الأعمال في ازدهار.. ورغم امكانية استخدام الملاجئ لأغراض أخرى خارج أوقات الطوارئ، فإنها يجب أن تبقى في حالة استعداد وجاهزية للأشغال خلال خمسة أيام.
أما خارج المدن وفي الأرياف توجد الملاجئ في أقبية المباني وحصون الحرب العالمية الثانية. بُني بعضها خلال ثلاثينيات القرن الماضي حينما بدأ النازيون غزو الدول المجاورة لألمانيا. ولحماية البلاد، حفر السويسريون نحو عشرين ألف ملجأ. ورغم أنها بُنيت منذ حقبة الحرب، لكن بعض التحديثات الممكنة تؤهلها لاستيعاب السكان عند حالات الطوارئ. وتضم الملاجئ عادة مخزونا للطعام ومنظومة لتوليد الكهرباء، وترتبط بالمنظومة الكهربائية المحلية لتجهيز المياه. وهناك ايضا خزانات للمياه ومستشفى ومطعم ومواقع نوم.
عن موقع "سويس أنفو"
