د. كريم شغيدل
بالأمس مرت علينا ذكرى متميزة هي عيد العمال العالمي، ولست بصدد الخوض في تاريخ هذه المناسبة التي بدأت من العالم الرأسمالي في أميركا وكندا وأستراليا لتتحول إلى مناسبة شيوعية اشتراكية نقابية لا سلطوية، ولهذه المناسبة ذكريات ارتبطت بطفولتي وصباي، ففي أوائل السبعينيات كان يوم الأول من آيار كرنفالاً شعبياً تخرج فيه مختلف طبقات الشعب وهي تردد الشعارات والهتافات وتسير حول العربات المزينة والمزركشة، أشكال ودمى ورسومات وديكورات تمثل المهن المختلفة تحملها شاحنات وتسير عبر شارع الرشيد باتجاه ساحة التحرير، وواضح أن للمد اليساري دوراً في تكريس هذه المناسبة العالمية، وقد كانت نقابات العمال تتبارى في هذا اليوم في تجسيد مجسمات تعبر عن مهنها، وتحشد أعداداً هائلة من العمال، لكن مع أفول نجم ما سمي بالجبهة الوطنية وانهاء عقد الزواج المؤقت مع البعثيين وضرب الحركة اليسارية، بدأت معالم هذا اليوم تختفي تدريجياً، حتى جاء قرار النظام الدكتاتوري المقبور بإلغاء صفة العامل وجعل جميع العاملين موظفين، وهو قرار ارتجالي أريد به ضرب واحدة من أدبيات اليسار.
أصبح العمال موظفين وكأن صفة العامل مثلبة أو انتقاص، في الوقت الذي كانت فخراً عند اليساريين وعامة الناس، فالطبقة العاملة أو الشغيلة أو البرولتيارية أو الطبقة الكادحة كانت مصطلحات مرموقة تقارع نقيضاتها فكرياً، كالرأسمالية والبرجوازية والأرستقراطية وما إلى ذلك، أنا شخصياً لم أكن معنياً بهذا لصغر سني، كل ما يهمني هو الكرنفال الذي اختفى، ثم زحفت حروب الطاغية لتمحو كل أعيادنا بما فيها عيدا الفطر والأضحى، وأصبحت مجرد عطل سنوية حالها حال عيد العمال العالمي الذي لم يجرؤ البعثيون على إلغاء عطلته، وبعد سقوط النظام عاد الشيوعيون ليحيوا هذا اليوم العظيم الذي ناضلت من أجله الطبقة العاملة لاستحصال حقوقها، وأعطت ضحايا ممن سقطوا في رصاص الشرطة أو أعدموا وسجنوا، لكنهم أحيوه على استحياء، لم يستعيدوا الكرنفال، أصبح احتفالاً برتوكولياً رسمياً تلقى فيه بعض الكلمات والخطب وتردد فيه القصائد والشعارات، فالأجيال الجديدة لا تعرف شيئاً عن هذا اليوم، وبعد كل حقب الظلام والحروب والمآسي أظننا بحاجة إلى كرنفالات.
المقبور صدام حسين سرق اليوم الحقيقي لتأسيس بغداد الذي يصادف الحادي والعشرين من نيسان لقربه من اليوم الذي اتخذه للاحتفال بميلاده المشؤوم، وجعل يوم زيارته لأمانة بغداد في الخامس عشر من تشرين الثاني يوماً لبغداد، وقد بدأ الاحتفال بيوم بغداد كرنفاليا، مسيرة عربات مزينة تقطع شارع الرشيد، أزياء بغدادية لعدة حقب تاريخية وعربات(الربل) والفرق الموسيقية والجالغي البغدادي والمربعات البغدادية، ثم انحسر ليصبح حفلة تستعيد ذكرى زيارة صدام لأمانة بغداد، ولطالما نبهنا لذلك دون جدوى، وإذا كان ثمة خلاف على التاريخ، فلنعطِ بغداد حقها ليكون يومها كرنفالاً شعبياً مهيباً، وليكن يوم العمال كرنفالاً جماهيرياً، فأجيالنا الحالية بحاجة إلى كرنفالات فرح تكسر رتابة الحياة اليومية وتشيع الأمل.