د.عبد الخالق حسن
مع وصوله ليكون الرجل الثاني في السلطة، وقبل أن يجهز تماماً على معارضيه المحتملين والفعليين، كان كل شيء في سلوك الدكتاتور صدام يقول إن هذا الشخص لا يمكن أن يعيش وسط بيئة سياسية هادئة وتقليدية، تعترف بقيمة العمل السياسي أو تتجه لبناء دولة.
فهو منذ أن كان نائباً للبكر، عمل على صناعة حلقة محيطة به من أجل الانقضاض لاحقاً على كل مقاليد الحكم في العراق. ابتدأ رئاسته لاحقاً بتصفية البعثيين في قاعة الخلد. ثم تطوع ليمارس دور العميل للقوى الكبرى، التي كانت ترى أن استقرار الشرق الأوسط هو ليس من مصلحتها ولا من مصلحة إسرائيل، ولهذا فإن إشعال حرب بين دولتين مهمتين بحجم العراق وإيران من شأنه أن يبقي الصراع طويل الأمد، ويفجر تحت أزيز رصاص الحرب الصراعات الطائفية، التي ستجعل تقسيم المنطقة والسيطرة عليها أمراً سهلاً ومتاحاً.
لم تجد الدول الغربية أفضل من صدام ليؤدي هذا الدور القاتل للعراق والمنطقة. فهو حينها كان في مقتبل عمره، وكان مسكوناً ومهووساً بهاجس الزعامة، التي سبقها إليها بعض القادة العرب أو من دول العالم الثالث. فكانت نهايات أيلول سنة ١٩٨٠ هي البداية للانهيار الشامل للعراق، والذي ما زلنا ندفع ثمن حماقاته حتى اليوم. ضحايا بالآلاف، أسر مفجوع، أبناء أيتام، خسائر اقتصادية، انهيار في المنظومة الأخلاقية والاجتماعية، ثم بعد هذا كله يتحرك صدام نحو الكويت. ولما وجد أنه بات محاصراً ممن كان يدعمه في الحرب مع إيران، اتجه نحو إيران من أجل تصفير خلافاته السابقة معها. بل أكثر من هذا، اعترف في مراسلاته مع الرئيس الإيراني الراحل رفسنجاني بأنه مستعيد لمنح إيران كل ما تريده، وأن يعترف لها بمسؤوليته عن الحرب. بل إنه في إحدى هذه المراسلات يقول لرفسنجاني إنه يريد أن يكون الخليج بحيرة سلام. هكذا سماه من دون إلحاق صفة (العربي) بالخليج، وهو الذي كان دوماً يركز عليها. وهذا يعني في ما يعنيه أنه شخص مستعد للتنازل عن كل شيء، وأنه منزوع المبادئ، وأن ما كان يردده ليس سوى شعارات كان يتستر بها، ويختفي خلفها من أجل خداع الناس. حتى أنه قال في لقاء تلفزيوني بعد حرب الكويت إن الحرب مع إيران دعمتها الدول الغربية والخليجية، من أجل تعطيل العراق وإيران. في حين أنه كان يردد سابقاً أن الحرب شرعية، وأنها حرب العرب ضد المجوس.
اليوم، ومع كل حلول لذكرى نهاية تلك الحرب العبثية، يعود المخدوعون أو الذين ما زالوا يحنون لذلك النظام الأحمق ليطلقوا احتفالات بانتصار موهوم في تلك الحرب البشعة. والحقيقة أنها لم تكن سوى حرب لدكتاتور قاد بلداً عظيماً نحو خراب، لن ننجو منه لسنوات طويلة.