نرمين المفتي
حدثت قضايا عدة خلال الاسبوعين الماضيين فقط، لم تبدأ بحادثة التعدي على ضابط برتبة رائد في شرطة المرور، ومقتل الطفل (موسى ولاء) على أيدي زوجة أبيه، وزيارة وزير خارجية الكويت واللغط حول (أم قصر) ونقاش محتدم حول (الجندر أو النوع الاجتماعي)، ولم ينته بالعثور على جثة الطبيب الشاب (حمزة قاسم كريم) في محافظة ميسان، ولم تُعرف حتى كتابة هذا المقال ملابسات ما حدث ونقاش محتدم اخر حول حظر تطبيق (تيليغرام). وطبعا مع هذه القضايا هناك اخرى مستمرة مثل الجفاف الذي يهدد دجلة والفرات، والتصحر الذي بدأ يزحف على الاهوار والبحيرات والمخدرات والاعتداء الاجرامي على ابراج نقل الطاقة.
نجح المدونون على مواقع التواصل الاجتماعي بتحويل بعضها إلى قضايا رأي عام، خاصة الاعتداء على ضابط المرور ومقتل الطفل موسى. واستفادت الفضائيات منها بتعبئة برامجها الحوارية بها، وإن كان المدونون افضل من غالبية هذه البرامج، فهم يضعون النقاط على الحروف، سواء كانوا مع هذه القضايا أو ضدها، بينما الحوارات التي يتابعها المتلقي لا يصفها الا بأنها (حوار طرشان)، ويزيدها طرشا مقدم البرنامج الذي يحاول أن يفرض رأيه، أو أن يسحب ضيوفه إلى نقاش محتدم بدون الوصول إلى وجهة نظر مقبولة أو مفهومة على شاكلة البرنامج السيئ الصيت (الاتجاه المعاكس)، والذي سبق وأن كتبت بأنه ليس نموذجا يحتذى به، ودائما هناك بين الضيوف من ليس مختصا بمحور البرنامج، إنما وُجد ليعبر عن وجهة نظر الجهة التي يرتبط بها، وقطعا هذه مشكلة اضافية تمعن في (الطرش)..
لا أستطيع التوقف عند كل قضية مما سبق، انما سأحاول التوقف عند قضية شائكة وهي (النوع الاجتماعي)، الذي حاول كتاب رسمي صادر عن الامانة العامة لمجلس الوزراء في السابع والعشرين من شهر تموز الماضي أن يقدم إيضاحاً مهمّاً وضروريّا لهذا المصطلح، بهدف ازالة الالتباس. ونشرت البرلمانية السابقة د. عامرة البلداوي ايضاحا مهما حول هذا المصطلح، بدأته بتعريف المصطلح أو بكلمات أدق بتعريف قصده قائلة: بانه مصطلح استعمل للتعبير عن الأدوار والسلوكيات ومصادر القوة والفرص التي تنسب للرجال والنساء، والتي تتحدد اجتماعيًا، ولهذا فهي تتغير مع الزمن وتتأثر بعوامل كثيرة، وتختلف باختلاف الطبقة الاجتماعية والدين والثقافة والعمر والحالة الاجتماعية.
هنا لا أستطيع لوم الذين يقفون ضد هذا المصطلح، بسبب تطور أو تغيير استخدامه أو مفهومه في الدول الغربية، والتي بدأت منها ايضا المصطلح والذي دخل بقوة إلى الأدبيات الاقتصادية والاجتماعية الغربية في ١٩٨٨، حين بدأت الحركات النسوية فيها تطالب بأجور متساوية مع تلك التي يأخذها الرجال في العمل نفسه، وأن تمنح المرأة التي تتمتع بالكفاءات لا تختلف عن الرجل، وظائف ومنها القيادية، اي تمكين المرأة، وبهذا المعنى دخل إلى الدول الاسلامية والعربية. ان تطور استخدامات مصطلح (الجندر أو النوع الاجتماعي) وصل حتى تشويه الهدف الذي وجد لأجله، وبدأ ناشطون وسياسيون معروفون في الغرب بإدانة هذه الاستخدامات المشوهة وسياستها وخطورتها، خاصة على الاطفال الذين في مرحلة الدراسة الابتدائية، وصولا إلى مجتمع غير سوي في علاقاته الاجتماعية التي ترفضها غالبية الدول الاسلامية وتحرمها الاديان السماوية. وفي الوقت نفسه، استمر واضعو السياسة الاقتصادية وخطط التوظيف وقوانين الموازنة في الدول الاسلامية والعربية بالاشارة إلى (النوع الاجتماعي)، استنادا إلى التفسير أو الاستخدام السوي له، والذي من بينه (تمكين المرأة) ولا بد من اشارة إلى هذا الاستخدام واكرر السوي في العراق وللمثال وليس الحصر وهو (الكوتا) المخصصة للمرأة في مجلسي النواب والوزراء وفي مؤسسات رسمية أخرى. لم يحاول معارضو استخدام هذا المصطلح مصادرة جهود المرأة لأجل حقوقها أو توظيفها، وصولا إلى مجتمع تسود فيه قيم العدالة الاجتماعية، انما عارضوا الاستخدام المشوه له في الغرب والذي بدأت معارضته، كما اسلفت هناك ايضا. إن كتاب امانة مجلس الوزراء ليس كافيا، انما المطلوب من (دائرة تمكين المرأة) في مجلس الوزراء أن تخاطب السلطات المعنية، خاصة وزارة التخطيط والجامعات للوصول إلى تعريف أو مفهوم محدد رصين وواضح جدا يوقف التفسيرات المختلفة ويسهم في المساعي التي تستهدف تكافؤ الفرص ومواجهة التهميش والاضطهاد، هذه مهمة ليست هينة. ولا ننسى أن الحياة بكل تفاصيلها تسير استنادا إلى دوري الرجل والمرأة خاصة والى علاقاتهما عامة، ولا ننسى ايضا (للنوع الاجتماعي) الذي حدده كتاب امانة مجلس الوزراء ب (الرجل والمرأة) تأثير كذلك في كافة مجالات العمل من التربية والتعليم وصولا إلى الاقتصاد
والسياسة.