إيملي ميليكن
ترجمة: أنيس الصفار
ترى ما الذي يجعل انقلاباً في بلد من أفقر بلدان العالم مصدر قلق جدي بالنسبة للولايات المتحدة؟ ففي 25 تموز الماضي أقدم أفراد من الوحدة الخاصة ضمن الحرس الرئاسي النيجري على اعتقال رئيس البلاد محمد بازوم، ما تسبب بانطلاق سيل من الإدانات التي تدفقت من القادة والزعماء في شتى انحاء العالم.
بعد ذلك بساعات ظهرت على شاشة التلفزيون الوطني في النيجر مجموعة من الجنود إدعت أنها قد اطاحت بالحكومة القائمة ثم بادرت الى تعليق العمل في المؤسسات الحكومية كافة وإغلاق الحدود البرية والجوية وفرض حظر التجول في عموم البلاد، ثم عين قائد الحرس الرئاسي الجنرال عمر تشياني نفسه رئيساً للحكومة العسكرية الجديدة في البلاد.
رغم قلة ما يعرف عن تشياني أو دوافعه للانقلاب على الحكومة سرت شائعات مفادها بأن بازوم كان على وشك إقالة قائد الحرس من منصبه، لكن المثير للفضول ان تشياني نفسه كان على رأس الوحدة التي نجحت في منع وقوع انقلاب سابق قبل عامين حين حاولت وحدة عسكرية السيطرة على القصر الرئاسي قبل أداء بازوم اليمين الدستورية بأيام.
أهمية النيجر
المحزن في الأمر أن الانقلاب العسكري في النيجر ليس سوى الواقعة الاحدث في سلسلة الانقلابات الافريقية المتعاقبة التي ساهمت في مفاقمة عدم الاستقرار وانتشار الجماعات المسلحة. فمنذ العام 2020 شهدت القارة ما مجموعه سبعة انقلابات عسكرية في مالي وبوركينا فاسو وغينيا وتشاد والسودان، وفي كثير من هذه الحالات لم يقد عملية تغيير الانظمة الحاكمة كبار القادة العسكريين، وإنما ضباط من الحرس الرئاسي الخاص أو وحدات القوات الخاصة، وفي خمس حالات على الأقل كان قادة الانقلاب قد تلقوا تدريبهم في مؤسسات عسكرية أميركية.
لئن تكن هذه الموجة من الانقلابات مثيرة للتشوّش فإن أحدثها (وهو الذي وقع في النيجر) كان مقلقاً بشكل خاص، لأن النيجر قد تمكنت على مدى السنوات الاخيرة من تفادي أي تغيير في الحكومة عن طريق العنف، كما نجحت في المحافظة على مستوى معين من الديمقراطية المعافاة نسبياً في منطقة غرب افريقيا التي تزداد جَيَشاناً واضطراباً. كان بازوم منذ توليه المنصب– وهو أول انتقال سلمي للسلطة تشهده البلاد منذ حصولها على الاستقلال سنة 1960– واحداً من أولى حلفاء الولايات المتحدة بالثقة في المنطقة، بل إنه تمكن حتى من تجنب تعميق التعاون مع موسكو. وللتأكيد على أهمية العلاقة بين الولايات المتحدة والنيجر قام وزير الخارجية «أنتوني بلنكن» بزيارة للبلاد قبل فترة فأثنى على حكومة بازوم وأعلن عن مساعدات اقتصادية جديدة بلغت 150 مليون دولار. لكن بعد الاطاحة به باتت علاقة النيجر بالغرب مهددة، ومن غير الواضح متى ستعود الى الحكم في النيجر حكومة ديمقراطية جديدة، إن كانت ستعود. أما الرحيل الوشيك لموظفي السفارة الأميركية ومواطني الدول الاوروبية من النيجر، فليس بدلالة مطمئنة!.
كانت النيجر من الناحية العسكرية قاعدة مهمة للقوات الغربية التي تكافح الجماعات المرتبطة بالقاعدة وداعش في منطقة الساحل وبحيرة تشاد، وهنالك حالياً اكثر من 1000 جندي أميركي وما يقدر بنحو 1500 جندي فرنسي، كثير منهم نقلوا الى النيجر عقب الانسحاب من الدول الأفريقية الاخرى التي قطعت صلاتها بشركائها الأمنيين الغربيين. علاوة على هذا عمدت الولايات المتحدة الى استخدام قواعد النيجر لشن عملياتها ضد الارهاب بواسطة الطائرات المسيرة عبر عموم منطقة الساحل. ورغم إن وضع القوات الأميركية والفرنسية لا يزال غير محدد بعد، فإن فقدان النيجر كقاعدة للعمليات في غرب افريقيا سيتسبب بضربة كبيرة للمعركة ضد الجماعات الجهادية المسلحة.
البصمة الروسية
لعل النتيجة الأدعى للقلق بشأن هذا الانقلاب هي تعميق بصمة روسيا في القارة الأفريقية ممثلة بمجموعة فاغنر شبه العسكرية. إذ يقال إن «يفغيني بريغوجين»، قائد هذه المجموعة، قد احتفل بالانقلاب بعد وقوعه بوقت قصير عبر قناة تابعة على موقع تليغرام ووصفه بأنه تحرر من المستعمرين طال انتظاره، ثم ظهر بعد ذلك وهو يعرض خدمات مجموعته.
رغم تساؤل الكثيرين عن مستقبل فاغنر في أفريقيا عقب محاولة بريغوجين الانقلابية على موسكو بقيت بصمة هذه القوة – وبالتالي نفوذ روسيا– على حالها الى حد كبير. بل إن بريغوجين إلتقى بالرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» وشوهد وهو يجتمع بالقادة الأفارقة ويتبادل الحديث معهم بود ظاهر خلال القمة الأفريقية الروسية التي عقدت مؤخراً في سانت بطرسبورغ. لهذا السبب، واذ بدا أن وجود مجموعة فاغنر في القارة الافريقية مؤمن، سيكون باستطاعة بريغوجين أن يكرر في النيجر بسهولة عملياته في جمهوريتي افريقيا الوسطى ومالي من خلال تقديم الدعم الأمني ومكافحة الارهاب مقابل الحصول على حقوق التعدين في موارد النيجر الطبيعية الغنية.
الدرس الذي يمكن لواشنطن أن تتعلمه من الاطاحة ببازوم هو إنه حتى أوثق شركاء الغرب المقربين، مثل النيجر، معرضون لعدم الاستقرار سياسياً. لذا لن يكفي توفير المساعدة الامنية فقط بل ينبغي على واشنطن تقديم دعم أوسع لأجل التصدي لأسباب الاضطراب في هذه البلدان من جذورها. بخلاف ذلك ستجازف بتحمل تبعات أغلى ثمناً بكثير، جراء نشاط الجماعات المسلحة في تغذية زعزعة الاستقرار من أجل مآربهم الخاصة.
عن مجلة “ذي ناشنال إنتريست”