د. اسامة شهاب حمد الجعفري
ليس ضرورياً أن يكون العزوف عن المشاركة الانتخابية هدفه معاقبة الطبقة السياسية الحاكمة، بل قد يكون منبعه عدم الاكتراث بالحياة العامة والديمقراطية بشكل خاص، وبدلاً من هدر الجهود والوقت والاموال لإقناع الجماهير بالمشاركة الفاعلة في الانتخابات، فإن دولا مثل استراليا اختصرت الزمن، وفرضت التصويت الالزامي منذ عام 1924 لتهذيب الحياة السياسية والحزبية، فقد قضى هذا القانون على الأحزاب الشعبوية، ودمج المهاجرين في الحياة العامة وحقق التحول الديمقراطي. وأتبعتها قبرص واليونان وبلجيكا ولوكسمبورغ من الدول الاوروبية، حيث التصويت ليس حقاً فحسب، وانما واجب قانوني، وفنزويلا وسنغافورة وتايلند والفلبين والارجنتين وغيرها كثير.
لكن ما مدى دستورية التصويت الالزامي في العراق بعد أن وصفت المادة (20) من الدستور التصويت بأنه «حق»؟ لا تعارض بين الزامية التصويت والدستور عند تشريع قانون التصويت الالزامي، وفقاً للأسانيد الدستورية الاتية:
1- يبقى التصويت كما وصفه الدستور العراقي «حقاً»، اذا ما اقتصر التصويت الالزامي على الزامية تسجيل الحضور في كابينة صندوق الاقتراع دون الزامية انتخاب احد.
2- يبقى التصويت «حقاً» اذا ما كان الالزام بطريقة الحوافز لا العقوبة. فيمكن تحفيز الفرد لممارسة حقه بدل معاقبته من خلال تشريع قانون يقرر حزمة تشجيعية، عندما يلتزم بالتصويت كالإعفاءات الضريبية واولوية في التوظيف أو خصم من أجور النقل العام أو تذاكر السفر أو خصم من أجور المستشفيات العامة، أو منح قروض مصرفية بفائدة منخفضة وغيرها من الحوافز، فمن خلال التحفيز يبقى التصويت حقاً ولا يتحول إلى واجب يستحق من تركه العقاب. فالذي يميز الحق عن الواجب هو العقوبة في حال تركه. وبما إن العقوبة غير موجودة وحل محلها «التحفيز»، يبقى التصويت الإلزامي «حقاً» موافقاً للدستور العراقي.
3- إن وصف الدستور العراقي للانتخاب بأنه «حق» جاء في سياق الخطاب الموجه للدولة مفاده بأنها لا تملك صلاحية الانتقاص من هذا الحق، لأنه حق طبيعي يسمو على القانون الوضعي.
4- قد يحمل « الحق» معنى « الواجب»، ومثل ذلك ولاية الاب على أولاده القاصرين، فهي حقاً مقتصراً على الأب بقوة القانون، ولا ينازعه فيه أحد، وعلى الجميع احترامه، و لكنه في الوقت نفسه لا يملك الأب حرية التنازل عنه أو عدم ممارسته أو تركه، لمجرد كونه حقاً له لتعلق مصلحة الغير به (اولاده الصغار)، وكذلك الحال في حق السلطة التشريعية في التشريع، فإنه يتضمن التزام البرلمان بتشريع القوانين لتعلق مصلحة الشعب، فلا يملك البرلمان حرية التشريع وانما واجب التشريع. وبطبيعة الحال فإن حق التصويت حق يتعلق به مصالح الغير «الشعب» ويتوقف على ممارسته الاستقرار السياسي والاجتماعي، وصيانة منظومة الحقوق والحريات في الدولة، وإن عدم ممارسته من قبل الفرد يضيع فرصة الحياة وضمان حقوق الأجيال، وآثاره لا تقتصر على الفرد، وإنما على المجتمع ككل، فحق الانتخاب هو حق يفيض بالخير على الغير (المجتمع)، والدستور عندما أقرَّ للفرد بالحقوق السياسية والاجتماعية فإنه اخذ ميثاقاً منه ألا يضر بالغير (المجتمع)، ومن دون شك أن عدم ممارسة هذا الحق يلحق ضرراً على مستقبل المجتمع والدولة، فلا يملك الفرد حرية عدم ممارسته ولا التنازل عنه ولا التصرف به، لأنه من الواجبات الدستورية التي يلتزم الفرد بها.