حمزة مصطفى
صادفت زيارة المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة فولكر تورك إلى العراق خلال شهر "آب اللهاب"، حيث نافت درجات الحرارة على الخمسين مئوية. سرعان ما أطلق الرجل تصريحا ناريا أخذ صداه العالمي، لا سيما أنه تزامن مع تصريحات سابقة لأمين عام الأمم المتحدة إنطوني غوتيريش، الذي أنذر البشرية بأنها ستدخل عن قريب عصر الغليان. مفوضه السامي الذي شاء حظه العاثر أن يزورنا في أول عشرة من آب، التي هي طبقا لموروثنا الشعبي "تدك البسمار بالباب"، توصل إلى قناعة أن نبوءة الأمين العام تحققت بسرعة ومن العراق. كلا الرجلين غوتيريش وتورك لم يطلعا على قصيدة شاعرنا الخالد بدر شاكر السياب "غريب على الخليج"، التي يقول فيها "الشمس أجمل في بلادي من سواها والظلام.. حتى الظلام هناك اجمل فهو يحتضن العراق". في العادة لا يؤاخذ الشعراء على المعاني المباشرة، لأن السياق في اللغة طبقا للجرجاني هو الذي يحدد الدلالة, وبالتالي فإن دلالة الشمس والظلام محكومان بما أراد البوح به في غربته، التي انتهت بموته الفاجع لا بما باتت تحيل إليه مفردة الشمس من معانٍ، فيما بعد بعد دخولنا عصر التقلبات المناخية والكهربائية.
ففي عصر التغير المناخي والجفاف بدا كما لو كان تورط السياب في توظيف مفردة الشمس في سياق قصيدته تلك، خصوصا خلال أشهر الصيف. فالشمس الآن في بلادي لا ينطبق عليها الأ وصف واحد وهو الحرارة العالية لا متواليات الجمال والعاطفة والخيال الشعري. فالحر اللاهب أزاح مفردة "أجمل" ووضع بدائل مناخية جديدة لها من الصعوبة توظيفها بغير معانيها الجديدة والمزعجة تماما. وبالعودة إلى المفوض السامي فإن قوله " إن ما يواجهه العراق من ارتفاع في درجات الحرارة والجفاف إنذار للعالم أجمع، بأن الأرض دخلت عصر الغليان، يدخل في باب إقرار حقيقة مناخية طبيعية استوحاها من نبوءة غوتيريش لا السياب. لكن فاته أن شهر آب ينقسم عندنا إلى ثلاثة عشريات. الأولى وكما كتبت آنفا "تدك البسمار بالباب" , يعني الحرارة من قالوا بلى هي فوق الخمسين خلال هذه الأيام العشرة ومعها معظم أيام شهر تموز الذي يسبقه. أما العشرة الثانية التي هي مابعد طباخات التمر يقول عنها تراثنا الشفاهي "تكثر الأرطاب وتقلل الأعناب" بينما العشرة الأخيرة "تفتح للشتا باب". ربما يفرح السيد فولكر وهو يسمع مني بشارة الشتاء التي هي عندهم 6 درجات مئوية تحت الصفر فما دون، بينما عندنا في آخر عشرة من آب تتراوح بين 44 إلى 47 درجة مئوية. وزيادة في الإيضاح فإنه في حال نزلت الحرارة من 47 درجة إلى 44 درجة نقول لبعضنا البعض "اليوم رحمة من الله".
وفي الوقت الذي نترحم على هذه النعمة المناخية الفضيلة بهبوط درجات الحرارة إلى أوائل الأربعينيات نقرأ في الأخبار أن 22 شخصا توفوا في كندا بعد ارتفاع مفاجئ في درجات الحرارة. وحين نستمر في قراءة الخبر الذي يفاجئنا نحن أيضا، بعد أن تكون وصلت للموت لكي نتعرف على درجات الحرارة التي أدت إلى موت هؤلاء، وإذا بها 23 درجة مئوية بعد أن كانت 14 تحت الصفر.