ترشيد الاستهلاك طريق المواطنة الصالحة

آراء 2023/08/14
...

  عباس الصباغ 


الكثير من المواطنين تنقصهم ثقافة سياسة الترشيد في الكهرباء والماء وبقية النعم والمقصود بها اختصارا : (الاستخدام الصحيح أو الجيد للموارد المتاحة للفرد أو الجماعة أو المؤسسة وصولا إلى الدولة)، حسب الموسوعة الحرة وبخلاف الترشيد يكون الإسراف والبذخ المتعمَّد والتبذير وهو خلاف الاعتدال، فالعشوائية والعبث في استعمال الموارد تشمل الجميع، لأن الكثير يفتقرون لثقافة الترشيد وخاصة في استخدام المياه في هذا الظرف العصيب والمناخ القائظ، سواء في الحياة اليومية أو في الزراعة أو في مجالات اخر تستوجب المياه، لا يمكن تفسير موضوع عدم الترشيد، إلا من خلال الفهم بان الماء مدفوع الثمن وبأجور زهيدة جدا وبشكل فاتورة مقطوعة الثمن لا تشكل عبئا على منسوب الدخول، فليس هنالك إشكال في التبذير عند البعض مادامت المحاسبة غير موجودة، واما بخصوص الكهرباء فسايكولوجية البعض تنطلق من نظرية تعويض الحرمان (المحرومية) عن ساعات القطع ولسد النقص المستمر فيها، والكثير منهم لا يكلف نفسه بدفع تعريفة فاتورة الكهرباء، لعدم وجود المقاييس عندهم لذلك خاصة في بيوت العشوائيات.

من الصعب التوصل إلى فهم دقيق للغاية في تفسير سايكلوجية التبذير للنعم التي أتاحها الله كالماء والكهرباء لجعل حياتنا، فمن غير المعقول أو المقبول ان يترك المواطن صنبور الماء مفتوحا يجري دون داع ودون حسيب أو رقيب، أو يستعمل الماء لأغراض لامنفعة له فيها أو لأغراض لامساس لها بالحياة اليومية وفي وقت ما زال يعاني فيه البلد من آثار الجفاف والتصحر والقحط ووجود أزمة مياه خانقة تصل إلى درجة تعرض ماء الشرب للخطر، ومن جانب آخر يترك هذا المواطن كل مقابس الكهرباء مفتوحة حتى التي لا يحتاجها بحجة وجود الكهرباء الوطنية (البلاش) وليس (السحب)، وفي وقت يعاني منه البلد ايضا من ازمة كهرباء خانقة وعلى جميع المستويات في الانتاج والتوزيع، مع وصول الحرارة إلى (نصف درجة الغليان) وهذا ما يحدث في كل صيف، حيث النقص الواضح في التجهيز والتخبط المزمن بالتوزيع والمعاناة المستمرة من النقص الواضح في التجهيزات وتردي البنى التحتية والفنية لهذا القطاع، والعيش تحت رحمة الغاز الايراني المعرض لمقصلة العقوبات الامريكية وبالنتيجة يدفع المواطن البسيط ثمن المكابدات والمناكفات السياسية التي لا تعنيه.

وقد يتحجّج البعض بسؤال تقليدي (اين هي الكهرباء أو الماء كي نسترشد أو نقنن بهما؟)، وهذا التساؤل مرفوض ضمن الانساق الطبيعية التي يفترض وجود مواطنين صالحين، كي تتم المفاضلة بينهم وبين غيرهم وضمن تراتبية الحقوق والواجبات للعقد الاجتماعي، ومن جهة ثانية يعد التبذير واللامبالاة في استخدام الماء والكهرباء تجاوزا على حقوق بقية المواطنين وتعديا غير مبرر عليهم، لأن نعمة الماء أو الكهرباء هي حق مشروع للجميع وأي خلل في الاستخدام من قبل أي مواطن، سواء عن طريق التبذير أو اللامبالاة أو الاهمال سيشكل خللا واضحا في استحقاق بقية المواطنين. 

ولكن ليست تلك الاعذار مقبولة في سياق المواطنة الصالحة، لأن الحرمان لا يستوجب التعدي على حقوق الآخرين، بعدم ترشيد (تقنين) الاستهلاك أو اللامبالاة فيه.

المواطنة الصالحة تستوجب أن يراعي المواطن حقوق الجميع وليس نفسه فقط.