ساطع راجي
بينما يزدحم الواقع بمشكلات تهدد كرامة وحياة وحرية المواطنين، يخترع الساسة من وقت لآخر مشكلات يعتقدون انها سوف توفر لهم فسحة من الزمن للتهرب من المشكلات الحقيقية، أو التي يعتبرها المواطنون أولوية بالنسبة لهم.
إختراع المشكلات آلية استبدادية قديمة، وفي أقرب حالاتها، عراق الثمانينيات إذ مع كل معركة دموية في الحرب تؤدي إلى سقوط عدد كبير من الضحايا في الجبهة، تفتعل السلطة أزمة غالبا ما تكون في واحدة من القائمة القصيرة للمواد الغذائية، الطحين أو المعجون أو السكر أو البيض والا فالسكائر هي المنقذ الاكبر، في ذلك الوقت كانت الدولة قادرة على استيراد كل شيء ولا أزمات عالمية في هذه البضائع، لكن النظام يحتاج لحرف أنظار واهتمامات المواطنين للتملص من تذمرهم بشأن القضايا الاساسية، لأن المشكلات المخترعة، يمكن بسهولة حلها لاحقا أو نسيانها حتى وفي الحالتين تنتصر السلطة على المواطن.
انتاج المشكلات والازمات من تقنيات الحكم الدكتاتوري، لأن الحياة السياسية الديمقراطية تسمح بسهولة بكشف هذه الحيلة، لذلك تلجأ القوى السياسية الفاشلة إلى العبث بمشاعر الناس واخلاقياتهم واختراع اعداء ومشكلات تهدد طمأنينتهم النفسية والاجتماعية، وتنقل اهتماماتهم من القضايا الحقيقية إلى قضايا مخترعة، وغالبا ما يحدث هذا مع اقتراب موعد الانتخابات، التي ليست بالضرورة دليلا على وجود نظام دبمقراطي.
خلال العشرين عاما الماضية شهدنا كثيرا من المعارك المزيفة والمشكلات المخترعة، ولو امتلكنا صحافة ارشيفية لكشفت للمواطنين عدد المرات، التي حاولت فيها القوى السياسية حرف توجهات الناخبين وتوريطهم بقضايا ليست ذات أولوية.
إن استمرار منهج اختراع المشكلات سيؤدي إلى تفسير سوداوي للمرحلة كلها، إذ مع انقشاع كل أزمة يكتشف المواطنون أنهم تعرضوا لعملية نهب من قبل قوى الحكم، ويكتشف المواطنون من وقت لآخر كانوا منشغلين بقضايا مصيرية كانت الاذرع الاقتصادية للقوى السياسية تبني إمبراطوريات مالية بعيدا عن أي رقابة، وهو ما يدفع لليأس والغضب، ولذلك سيكون من الطبيعي أن يعزف المواطنون عن المشاركة في الانتخابات، فتظهر مؤسسات حكم غير مدعومة شعبيا وأحيانا مرفوضة كليا كما حدث مع مجالس المحافظات في السابق، التي صارت هدفا لكل غاضب، ومن المستغرب ان عملية اختراع المشكلات تتكرر هذه المرة أيضا مع اقتراب موعد انتخابات مجالس المحافظات، وكأن هناك من يؤسس مقدما لفشل الانتخابات وفشل المجالس المنبثقة عنها.