مجالس المحافظات.. حلقة زائدة أم حلقة فاعلة؟

آراء 2023/08/14
...

     أحمد الشطري

في المفهوم الدستوري تشكل مجالس المحافظات حلقة رقابية وتخطيطية، فمن خلال متابعتها لما تقوم به الحكومة المحلية من تنفيذها للمشاريع وطريقة صرفها للأموال المخصصة للمحافظة، تجسد دورها الرقابي الذي أوجدت لأجله، ومن خلال علاقتها المباشرة والقريبة بالمواطن وبحثها عن أولوية الاحتياجات التي تسهم في تطوير وإعمار مدن المحافظة وتكوين رؤية تخطيطية لتنفيذ المشاريع الخدمية هو تجسيد لدورها التخطيطي.

ومن أجل ذلك يتم تخويل أعضاء المجالس، ليكونوا ممثلين شرعيين للشعب من خلال العملية الانتخابية.

ومنذ أن شرّع العمل بفقرات الدستور وإجراء الانتخابات بمختلف مستوياتها شكلت هذه المجالس عبئا ماليا، استنزف الكثير من أموال الدولة دون أن يكون لعملها أثر واضح وفعال في تحقيق ما وجدت من أجله، بل أنها وفي كثير من الأحيان والأماكن شكلت حلقة فساد، مضافة إلى الحلقات المتغلغلة في جسد الدولة العراقية الحديثة، ولم تكن سوى منفذ آخر يضاف إلى المنافذ، التي تتنافس عليها الأحزاب من أجل مكاسب لا تخدم سوى ذاتها وقواعدها، دون أن تمتلك برنامجا خدميا يسعى إلى النهوض بالمحافظات التي تقودها، وإن طرحت هكذا برنامج فهو مجرد وسيلة انتخابية لم تسع إلى تنفيذه.

ونحن مقبلون على دروة جديدة لانتخابات مجالس المحافظات، هل ثمة ضوء في الأفق يمكن أن يزيل ما خلفته المجالس السابقة من عتمة في تاريخها ومسيرتها، التي خلقت فجوة وانعدام ثقة بين المواطن وبين هذه المجالس؟

من الواضح أن اللوم سيقع على الناخب الذي لم يحسن الاختيار، وهو أمر قد يكون في جانب منه يعكس الحقيقة المفترضة، ولكنه في الوقت ذاته يحمل خدعة كبيرة في تبرير سوء النتائج.  إن الناخب وبلا شك سيكون محكوما بعدة مؤثرات نفرض عليه سوء الاختيار أو سوء النتائج، ولعل أهمها هو نوعية ما تقدمه الكتل السياسية من شخوص تحملهم ثقتها وتعرضهم على أنهم يمثلون مشروعها السياسي والخدمي، ولكنها- وهي مسؤولية يجب أن تتحملها- لن تقوم بمراقبة أداء هؤلاء الشخوص، ولن تتخلى عنهم أن كشف انحرافهم عما يفترض أنه مخطط لهم لتقديمه للمواطن، الذي انتخبهم ووضع ثقته بكتلتهم قبل أن يضع ثقته بهم كأشخاص، وهذا ما انعكس على سمعة تلك الكتل على فرضية أنها لم تكن مشاركة بذلك الانحراف، أو داعمة له، أو متغاضية عنه.

والأمر الآخر هو خضوع الكثير من الناخبين للعلاقات القبلية والشخصية والمصالح الفردية، وهو ما يعكس عدم النضج في فهم أصول النهج الديمقراطي من جانب، وطغيان الأنانية والنظرة الآنية من جانب آخر، دون التفكير بمصالح الآخرين ومصالح الأبناء والمدينة على المدى البعيد؛ ليعودوا بعد اكتشاف سوء اختيارهم باللائمة على مؤسسات الدولة والكتل الحزبية.

إن تقديمنا هذا والذي يهدف إلى تشخيص بعض جوانب الخلل في رؤية الناخب وعمل هذه المجالس، لا يعني أننا نسعى إلى زرع نظرة تشاؤمية بالمستقبل القريب أو البعيد، وإنما هو من أجل إلقاء بعض من الضوء لعله يمهد لحسن الاختيار من قبل الناخب أولا وحسن اختيار الاشخاص من قبل الكتل المتنافسة والذين سيمثلون ومتابعة عملهم ومحاسبة من يخل بمشروعهم الانتخابي، الذي يفترض أنها أعدته لخدمة هذه المحافظ أو تلك من أجل النهوض بواقعها الخدمي بمختلف جوانبه.