د. حميد طارش
العراق، منذ القدم ومروراً بمراحل ازدهاره وفتراته المظلمة، لم يخلّ من طاقاته الإبداعية وان تباينت تبعاً لدرجة رقيّه، ولنا أن نتصور عالم اليوم، الذي بات مهدداً بالتغيّر المناخي وشح المياه الصالحة للشرب وسقي المزروعات، وأضف لها مشكلة ثالثة عراقية بامتياز، ألا وهي قلة الطاقة الكهربائية وعدم كفايتها للاستهلاك المحلي، لتخرج علينا مديرية ماء النجف في معالجة ثلاثية في آن واحد!، إذ قامت بتحلية مياه الآبار بالطاقة الشمسية، لتوفر مياه الشرب وسقي المزروعات دون التلوث البيئي المسبب للاحتباس الحراري، وتوفر لنا الطاقة الكهربائية لاحتياجات أخرى.
ماذا لو عُممت هذه العملية على العراق الذي يواجه خطر الموت عطشاً، ونتمنى الجواب العملي من الهيئة العامة للآبار الجوفية التي لديها فروع في جميع المحافظات، ومديريات الماء المنتشرة في البلاد، بل وننتظر الجواب العملي من جميع الداعمين والمعنيين والمختصين والخبراء على مستوى المؤسسات الحكومية وغير الحكومية.
كما يأتي إعلان محافظة البصرة عن تبني مشروع تحلية ماء البحر، واعتباره مشروعاً ستراتيجياً لعام (2023)، في الاتجاه السابق نفسه، وإن كانت تنقصنا المعلومات فيما إذا كان عن طريق الطاقة النظيفة، التي يمكن أن توفرها الشمس والرياح وحركة مياه البحر، لنصل إلى النتائج الثلاثية المذكورة آنفاً، والسؤال الآخر يكون عن مدى طاقته وفيما اذا يكون كافياً للبصرة أو يمتد إلى محافظات أخرى قريبة. لكن ما يقلق تفاؤلي بالمشروع أن يكون مصيره كمشروع الهارثة لتحلية المياه، الذي بدأ العمل به في عام (2010) من أموال القرض الياباني ليكون جاهزاً في عام (2014)، لكنه لم يرَّ النور حتى اللحظة، ولم يكشف لنا ممثلو البصرة في مجلس النواب أو الهيئات الرقابية أو الوزارات المعنية والمحافظة سبب الفشل، والجميع يعلم بمأساة أهالي البصرة مع الماء. ولا أريد أن أقول الفساد، تلك الكلمة التي تحولت من تشخيص إلى علاج!، أي مشكلة هي فساد وانتهى الأمر، على غرار المثل " اذا عرف السبب بطل
العجب".
جفاف العراق وعطشه لا يعالجه سوى المياه الجوفية ومياه البحر، وقد انتبهت دول العالم إلى أهمية مياه البحر كونها كميات كبيرة لا تنضب، بخلاف الأنهار، التي جفّت بفعل عوامل سياسية واقتصادية ومناخية.