العمل ليلاً بدل النهار... ارتفاع درجات الحرارة يقلب المعادلة

ريبورتاج 2023/08/14
...

 بدور العامري

بعد أن كان المنظر غير مألوف أن نشاهد أعداداً كبيرة من الشباب وسط أكوام الطابوق والإسمنت وصوت (الأسطة) الذي يعلو على أصوات أحاديث العاملين في أوقات متأخرة من الليل، واقع الحال فرض أن يصبح هذا الأمر أكثر انتشاراً خلال الصيف الحالي، بسبب هروب العاملين من بطش ارتفاع درجات الحرارة العالية خلال النهار والبحث عن ساعات عمل أقل سخونة، والأمر ينطبق على عدد من المهن والأعمال التي اضطر أصحابها إلى تحويل نشاطهم من النهار إلى الليل.

عمال البناء

يقول علي محسن، أحد عمال البناء أنه نتيجة لارتفاع درجات الحرارة العالية خلال النهار وصعوبة عملنا في العراء تحت أشعة الشمس طلبنا من المقاول الذي نعمل معه أن يكون عملنا ليلاً بدل النهار، علماً أن الأجور اليومية تكون أقل مقارنة بعمل النهار، ويبين محسن أن زملاءه رحبوا بالفكرة لما فيها من تلافٍ لمخاطر حرارة الطقس وتأثيرها في صحة العاملين، على الرغم من وجود بعض المعوقات ومنها عدم وجود الإنارة الكافية إضافة إلى قلة النوم، إذ يستمر العمل إلى ساعات الفجر، لكنه يؤكد في  الوقت ذاته أن هذا التوجه أفضل من معاناة ارتفاع درجات الحرارة القاتلة والتي تزيد على الخمسين درجة مئوية في أغلب أيام الصيف، من جانبه تحدث المواطن علي قصي وهو يعمل سائق تاكسي أنه قام بتحويل ساعات عمله من النهار إلى الليل بسبب حرارة الجو.


حركة العمل

الكسبة والباعة المتجولون هم أكثر الفئات تضرراً من ارتفاع درجات الحرارة، إذ يعتمد عملهم على التنقل والعمل تحت أشعة الشمس اللاهبة، وعلى الرغم من قبولهم بهذا الواقع الصعب يواجهون مشكلة قلة مدخولهم اليومي نتيجة لقلة حركة السوق والتعامل بسبب ارتفاع درجات الحرارة وبقاء الناس في بيوتهم إلى ساعات متأخرة من النهار، الشاب مهدي حميد(22) عاماً يعمل بائعاً للماء البارد في إحدى أسواق بغداد يقول: بدأت حركة المتبضعين تكاد أن تكون معدومة ما بعد الساعة الحادية عشرة صباحاً بسبب ارتفاع درجات الحرارة، ما جعل هذه الساعات هي استراحتي بالقرب من أحد المحال التجارية، لصعوبة العودة إلى المنزل، كوني أسكن في منطقة النهروان، ويتابع حميد قوله أن عملي خلال هذا الصيف يتلخص في ساعتين صباحاً وثلاث ساعات عصراً، الأمر الذي أثر في مدخولي اليومي وبالتالي التقصير في توفير مستلزمات الأسرة والأطفال.


مخاطر صحيَّة

وبحسب طبيبة الأسرة والمجتمع الدكتورة لينا الموسوي "فإن التعرض لحرارة الجو العالية ولفترات طويلة تسبب الإصابة بـ (ضربة الشمس) وهي حالة مرضية تنتج عن ارتفاع درجة حرارة الجسم، وتبين الموسوي أن هناك حالات إعياء وإغماء كثيرة ترد إلى قسم الطوارئ في المستشفيات خلال الفترة الحالية نتيجة التعرض لدرجات الحرارة العالية، وتابعت الموسوي "أن حالات الاعياء عادة ما تحدث بسبب الاجهاد البدني المصاحب لدرجات الحرارة المرتفعة، إذ يمكن أن يحدث هذا النوع الأكثر خطورة عندما ترتفع درجة حرارة الجسم إلى أكثر من 40 درجة سيليزية وهي أكثر شيوعاً في فصل الصيف، وشددت الدكتورة لينا على أهمية العلاج الطارئ لضربة الشمس، لما تسببه من مخاطر على حياة الإنسان، إذ تعمل على اتلاف الدماغ والقلب والكلى والعضلات بشكل سريع ويزداد الأمر سوءاً كلما تأخر العلاج ما قد يسبب بزيادة خطر المضاعفات والموت.


تقارير

وكانت المنظمة العالمية للارصاد الجوية قد حذرت في وقت سابق من أن المخاطر المرتبطة بموجة الحر التي تجتاح آسيا وشمال أفريقيا والولايات المتحدة ما زالت مستمرة، ووفقاً لتقرير حديث صدر عن المنظمة "فإنه تسبب الارتفاع الشديد لدرجات الحرارة بوفاة (60) ألف شخص في أوروبا خلال صيف العام الماضي، على الرغم من وجود خطط قوية للإنذار المبكر والعمل الصحي في القارة، ودعت المنظمة الجهات ذات العلاقة إلى ضرورة تكييف البنية التحتية للعمل في مجتمعاتهم لتحمل درجات الحرارة المرتفعة لفترات طويلة وزيادة الوعي بالمخاطر بين الفئات الضعيفة، وبحسب منظمة الارصاد الجوية، فإن موجات الحر الشديدة لهذا العام مقلقة، إلا أنها غير مستغربة لأنها تتماشى مع التوقعات.  

لذلك طالبت مؤسسات حقوقية ونقابات عمالية بضرورة إيجاد الحلول التي تتناسب مع استمرار تغيير المناخ في رفع درجات الحرارة وموجات الحر، وتغيير طريقة عيش الناس، ما يتطلب تغيير الطريقة التي يعملون بها، كما يحتاج العمال إلى معرفة ما يمكن أن يحدث لهم في المستقبل القريب، و الشركات تحتاج إلى الارتقاء بالمستوى المطلوب لحمايتهم.


فئات متضررة

ارتفاع درجات الحرارة خلال مواسم الصيف الأخيرة لم يؤثر في الذين يعملون خارج البيت فحسب، بل ها هي تلقي بقساوتها على ربات البيوت وزيادة معاناتهن في إتمام مهامهن اليومية وسط أجواء الحر الكبير مع انقطاع التيار الكهربائي، ما حدا بهن إلى إتمام أغلب الواجبات المنزلية من تنظيف وترتيب أثناء الليل، لا سيما عملهن في المطبخ بالقرب من الطباخ أو الفرن الغازي، إذ تتحدث أم زينب، ربة منزل: تبدأ درجات الحرارة العالية منذ الساعات الأولى لليوم ما يسبب لي الكثير من التعب عندما أباشر بتنظيف المنزل والقيام ببعض المهام التي تتطلب جهداً بدنياً، إذ كثيراً ما أشعر بالإعياء بسبب حرارة الجو وأنا في المطبخ خاصة مع انقطاع التيار الكهربائي والمولدة الأهلية في الوقت نفسه، وتضيف أم زينب: لذلك لجأت إلى أسلوب القيام بأغلب نشاطاتي في المنزل خلال الليل، بسبب الانخفاض البسيط للحرارة، فضلاً عن تحسن التيار الكهربائي وديمومته مقارنة بالنهار.