سالم مشكور
تنطلق دعوات سياسية من جهات وأفراد إلى مقاطعة الانتخابات بحجة أن «لا انتخابات تحت ظل المحتل وأعوانه». هذه الذريعة تشير إلى هوية أصحابها، لمجرد أنها تعتبر الطاقم السياسي الحالي من أعوان أميركا، رغم أن هذه الجهات هي من يتواصل مع الجانب الأميركي ويتوسل دعمها للعودة إلى السلطة. هؤلاء غافلون عن أن مشاركة الجمهور في انتخابات ٢..٥ كان أكثر كثافة من غيرها في حين كان الاحتلال الأميركي رسميا للعراق، ولا أدري عن أي احتلال يتحدثون الآن. ليس هؤلاء وحدهم من يدعون إلى المقاطعة، بل أن الجهات المشاركة في الانتخابات، أو بعضها، من مصلحته أن يثني الجمهور عن المشاركة في الانتخابات. رأي قد يبدو غريباً، لكن الواقع يقول ذلك وتفسيره كالتالي: هذه الجهات السياسية لها جمهور ثابت سيصوت لها في كل الأحوال. إذا شاركت الأغلبية المترددة في الانتخابات، فسيكون نصيبها من أصوات الناخبين قليلة، وبالتالي تضعف فرص استحواذها على عدد اكبر من مقاعد مجالس المحافظات.
انتهى الموعد النهائي لتحديث السجلات الانتخابية للناخبين، لكن الاقبال كان ضعيفاً جدا. يعتبره المراقبون مؤشرا على ضعف الاقبال على انتخابات مجالس المحافظات نهاية العام الحالي. ليست المرة الأولى التي تنخفض فيها نسبة المشاركة في الانتخابات، والسبب يتوزع بين ضعف وعي وعدم ادراك حقيقة أن المقاطعة تعمّق الخلل، وتمّد بعض الأطراف الدعوة اليها وتشجيعها. لم تحقق أية عملية مقاطعة سياسية للانتخابات نتائج على طريق تغيير الأوضاع، لا في العراق ولا في غيره. النتيجة الوحيدة للمقاطعة هي ترك فئة قليلة هي جمهور أحزاب معينة، تتحكم بمصير الغالبية الشعبية المقاطعة. عندها لا يحق للمقاطعين الشكوى من استمرار سوء الأوضاع لأنهم هم المتسببون بعدم التغيير.
من الذرائع التي يقدمها الداعون إلى المقاطعة هي ان هناك تزويرا وأن النتائج محسومة سلفا. لا أحد ينفي إمكانية التزوير، بل إنه موجود في كل انتخابات الدول الأخرى ولو بنسب متفاوتة. ها هو الرئيس الأميركي السابق يخضع للمحاكمات اليوم بتهمة التلاعب بنتائج الانتخابات، وعندما وصل هو إلى الرئاسة اتهمه خصومه بتزوير الانتخابات بالتعاون مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتن الذي تربطه به مصالح اقتصادية شخصية. التزوير يؤتي مفعوله ويغير نتائج الانتخابات إذا كانت نسبة المشاركة ضعيفة، أما في ظل مشاركة واسعة والتصويت المكثف لمرشحين ذوي كفاءة ونزاهة فان تأثير التزوير يتضاءل. الحل هو في المشاركة الواسعة وليس المقاطعة. ربما تكون تجربة مجالس المحافظات السابقة تركت اثراً سلبياً في الناخبين بحيث تدفعهم إلى المقاطعة، كونهم رؤوا كيف تقاسم الكثير من أعضاء المجالس المغانم الحرام أو انشغلوا في خلافات داخلية انعكاساً لصراع أحزابهم، أو بين المجالس والمحافظين، لكن التغيير الذي نشهده في الأداء الحكومي الخدمي والرقابي خصوصا في مجال مكافحة الفساد، خلال الأشهر الأخيرة يجب أن يعطي الامل بدور أكثر كفاءة ونزاهة لأداء مجالس المحافظات القادمة. والأهم من ذلك يبقى الاختيار الأفضل وانتخاب المرشحين من أهل الكفاءة والنزاهة، بعيدا عن اعتبارات العشيرة أو الحزب، كما أن المشاركة الواسعة في الانتخابات مع اختيار الاصلح سيجعل مجالس المحافظات القادمة أو قدرة على خدمة المحافظات.