في موضوع التوحش

آراء 2023/08/15
...

سعد العبيدي

العدوان في النفس البشرية موجود ووجوده أزلي، والتعبير عنه بسلوك وحشي عنيف كذلك موجود منذ بدء الخليقة، وما قصة قابيل وهابيل والانتقام والقتل والحروب والعراك الا تعبير صريح وواضح لمشاعر العدوان في النفس البشرية، رافقته من ذاك الوقت إلى يومنا هذا، وسترافقه إلى الأبد، لأسباب تعود إلى تركيبته النفسية، لكن الانسان الذي امتلك عقلاً يميزه عن باقي المخلوقات، طور من حاله، واتجه حسب معطيات تطوره إلى ضبط سلوكه العدواني جهد الإمكان، أو بالمعنى الأدق سعى إلى تصريف مشاعر العدوان الموجودة في نفسه بطرق يقل فيها فعل التوحش، فأوجد اللعب، وطور المسابقات والتنافس، وبدل من شكل الصراع بطريقة تتحكم فيها المصالح المتبادلة، واكتشف الموسيقى والطرب، وبنى النوادي وغيرها من توجهات لتصريف المشاعر العدائية، ومع هذا ما زلنا نسمع عن حروب تقع بين الحين والحين، وعن معالم سلوك عدواني فيه ميلاً إلى العراك والتسلط والاستعباد، والانتقام، والاغتصاب وغيرها مسارب عدوان، وما زلنا نسمع ونقرأ في بلادنا، إمرأة تعذب طفلاً، وأب يعذب أولاده، ومعلمة تعاقب تلاميذها بالضرب، وزوج يعنف زوجته، وشيخ عشيرة يتنمر، وشابة تعتدي على ضابط، وشاب يهاجم شرطيا، اتجاهات توحش بات يتزايد بشكل يفوق مستويات تزايده في المجتمعات الأخرى المثيلة، تزايداً تعود أسبابه إلى ضعف قدرات أجهزة الدولة للضبط والسيطرة، وفقدان قدرة الدولة على التخطيط والعمل لما يتعلق بتصريف العدوان، والتشدد الديني حد التحريم لمنافذ التصريف الإيجابية (الموسيقى والغناء)، وعدم الاستثمار في الرياضة، بما يكفي لدفع الصبية والشباب إلى التوجه لساحاتها في سني المراهقة على وجه الخصوص، وتعدد جهات النصح والضبط والسيطرة والتوجيه المجتمعي (الأحزاب - المليشيات - العشائر - المساجد - المنابر - الأجهزة )، أسباب عديدة، متداخلة جعلت ضبط السلوك العدواني في مجتمعنا والسيطرة عليه وحرفه بالاتجاه الصحيح غير ممكنه، بل وعلى العكس قد أسهمت في إطلاق عنان الغرائر العدوانية، دون كوابح، لتؤشر قدراً من التوحش المجتمعي سيكون خطراً على بنيته النفسية، إذا لم تتدخل الدولة بأجهزتها الضابطة مركزياً وتمسك
الزمام.