{الفصلية}.. صورة للقهر الإنساني

آراء 2023/08/15
...







 علاء الفضلي

الفصلية مصطلح عشائري قاتم ينم عن ضيق في الافق الانساني لمن تجرا كينونة المراة لتصبح سلعة ذليلة، فهذا المصطلح يعني ان المرأة تسلم إلى عشيرة المجنى عليه خلال المنازعات القبائلية كديةٍ وترضيةٍ من قبل عشيرة الجاني لقاء جريمة، التي ارتكبها ابنهم التي في الغالب تكون من جرائم القتل. هذا العرف متبع منذ القدم ويعد من اكبر انواع الدية المدفوعة ولا يقتصر أحيانا على امرأة واحدة، بل قد يتجاوز الامر إلى حد أربع نسوة ما ينطوي على امكانية أن يكون الامر مثيرا للتنازع، ومن هنا تبدأ المآسي وما يزيد الحال سوءا من وقوع الفتاة اختيار، حين تكون يتيمة الابوين التي لا يسمح لها ولا تعطى ابسط حقوقها الانسانية ولا يحق لها إبداء رأيها أو الاحتجاج على حياتها الذليلة ويستمر سوء حظها والعوائق الخاصة بها حيث يتم تزويجها، اما لرجل معاق أو حتى مصاب بخلل عقلي لغرض رعايته أو لرجل مسن أو كزوجة ثانية أو ثالثة أو رابعة وتجري معاملتها بطريقة سيئة جدا، ولا تحظى بأدنى رعاية أو اهتمام وإن شاء وحصل انجاب فإن أولادها يحملون صفة « أبناء الفصلية»، ويبقى ملازما لهم مهما طال الزمن، ويبقى مصطلح الفصلية اسمها البديل والدائم لها، ولا ينادى باسمها الحقيقي ابدا إمعانا في احتقارها، حتى يكاد يتلاشى من ذهنها جراء أعباء الأعمال، التي تقوم بها والاهانات المتكررة، تلك الاعراف والتقاليد البائسة، تجعل الفصلية ترزح تحت طائلة الحزن خصوصا في محافل النسوة حين تصبح مادة للتندر والانتقاص من وجودها الطبيعي، مع تغير ايقاعات الحياة نساءل عن اسباب تمسك واصرار غير منتاه من بعض العشائر بهذا النوع من العقوبة القسرية بحق المراة، التي كرمها الله في أكثر من أية في كتابه الشريف بوصفها رمزا للحياة والنماء وأقر سبحانه بالعلاقة بين بني آدم في عقد الزواج الذي يبنى على الإيجاب والقبول بين الزوجين بعد اشهار وإعلان المهرين وفي حالة الفصلية فانها مخالفة صريحة لكتاب الله وسنة نبيه الكريم، وفعل العشيرة بحقها اثم كبير بحقها التي لاتمتلك حق الاعتراض ان ان تنبس ببنة شفة في حضرة « الاقوياء» وليس أمامها سوى الخضوع والإذعان إلى ما يطلبه منها ذووها أو المسؤولون عنها، وهنا سؤال نطرحه هل موضوع الفصلية جريمة ثانية منفذة من طرفي النزاع؟ الجواب وحسب رأينا أنها جريمة مسكوت عنها بحق إنسانة بريئة، وضعت بسبب الظروف موضع مجنى عليها مدى حياتها وبالنتيجة، فعشيرة الجاني قد ارتكبت جريمتين الاولى بحق عشيرة المجنى عليه والثانية بحقهم بقتل ابنتهم أو بناتهم عند تسليمهم إلى عشيرة المجنى عليه (كدية)، وبالنتيجة فإن هذا التصرف يعد جريمة شرعية فهي مخالفة لاحكام وشروط الله عز وجل وجريمة قانونية يعاقب عليها القانون، وهي الزواج بالإكراه وهو من العقود الباطلة. إن للمرأة مكانة عظيمة عند الله تعالى وخير دليل على ذلك فقد خصها بكتابه الكريم بتسمية إحدى السور القرانية بسورة النساء وفي قوله تعالى (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا).. فلذلك وجب التفاعل المباشر بين الأفراد وهي طريقة تثقيفية لبناء الثقة، والبدء ببناء الجسور والامكانيات الكامنة، ولعل الجيل المثقف من العشائر يعي هذه الظاهرة السلبية وغيرها ان ياخذه دوره الايجابي في إلغاء الممارسات المسيئة وتسخيرها لمصلحة الجميع لعبور العديد من الاعتقادات الخاطئة، التي لا تتماشى مع المبادى المدنية والقيم السماوية.