ماذا بعد صفقة تبادل المعتقلين بين إيران وأميركا؟

آراء 2023/08/16
...






 محمد صالح صدقيان 


بعد أسابيع من المفاوضات المعقدة والمضنية التي جرت بين إيران والولايات المتحدة في سلطنة عمان وقطر، توصل الجانبان لصفقة تبادل السجناء بينهما والافراج عن جزء من الودائع الإيرانية المحتجزة لدی العراق وكوريا الجنوبية وصندوق النقد الدولي والتي تقدر بـ 24 مليار دولار.

وفور الإعلان عن هذه الصفقة أعلنت السلطات الإيرانية نقل المعتقلين لديها من السجن إلى اماكن “تحت الرقابة الجبرية” لحين استكمال عملية نقل الأموال المحتجزة من بنوك كوريا الجنوبية لإيران. 

وقالت المصادر إن هذه الأموال قد تم نقلها بالفعل إلى بنك في سويسرا، حيث يتم تحويلها للعملة الاوروبية اليورو قبل نقلها لبنكين في بلدين أوروبيين، ومن ثم يتم نقلها للحساب الإيراني المفتوح في أحد البنوك القطرية في الدوحة حسب ما تقتضيه اجراءأت وزارة الخزانة الأميركية. اما الأموال المحتجزة في العراق والتي تقدر 11 مليار دولار، فإن البنك المركزي العراقي قام بتحويلها لبنك التجارة العراقي حيث قام في وقت سابق بتحويل 2.5 مليار دولار للبنك المركزي العماني، بينما يتم العمل علی تسوية المتبقي بناءً علی التفاهمات التي جرت بين العراق وسلطنة عمان ووزارة الخزانة الأميركية والبنك الفيدرالي الأميركي.

وقال كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري إن بلاده حصلت علی ضمانات كافية بحسن تنفيذ اتفاق تبادل المعتقلين وإن الاجواء التي تحيط بالمفاوضات ايجابية تختلف عن سابقتها. ولم يذكر باقري طبيعة هذه الأجواء إلا أن المسؤول البارز في معهد واشنطن لسياسة الشرق الاوسط هنري روما قال إن هذا الاتفاق هو عامل رئيس في جهود واشنطن وطهران، لتقليل التوترات بين البلدين، معربا عن تكهنه ان يكون هدف الرئيس الأميركي جو بايدن السماح باستئناف المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران بوساطة أوربية في وقت لاحق من هذا العام؛ لكنه قال إن الرئيس بايدن لا يريد الدخول في مقاربة احياء الاتفاق النووي الموقع عام 2015 بسبب حساسية الموضوع عند الجمهوريين، الذين يتربصون بالديمقراطيين الدوائر قبل الانتخابات الرئاسية في 2024. 

وما لاشك فيه أن الادارة الأميركية أذعنت في نهاية المطاف للمطالب الإيرانية في ما يتعلق بانشطة التخصيب المرتفعة التي تصل إلى 60 بالمئة وعملت للانخراط في المفاوضات، التي أدت إلى عقد هذه الصفقة. ويجب ألا ننسی الجهود التي بذلتها سلطنة عمان وقطر في هذا المجال للعلاقات المتميزة التي تربطهما بإيران من جهة وبالولايات المتحدة من جهة اخری، حيث تطمئن طهران للجهود التي بذلتها هاتان الدولتان الخليجيتان من بدء المفاوضات النووية لحد الان، والدور الذي لعبتاه بهذا الاتجاه. 

ويسود الاعتقاد أن تنفيذ هذه الصفقة سيخلق أجواء وأرضية مناسبة مأجل مناقشة قضايا عالقة بين الجانبين في مقدمتها القضايا المرتبطة بالدور الاقليمي لإيران والعقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة علی طهران؛ بيد أن هذا المسار لا يسير علی السجادة الحمراء، وإن كان الإيرانيون متفائلين بهذا المسار، لكنه يستطيع في نهاية المطاف أن يخلق حالة من الثقة، التي تحتاجها العلاقات الإيرانية الأميركية لتنتقل من المباحثات غير المباشرة إلى مباحثات مباشرة، يستطيع المفاوضون من التحدث بشكل كثر سلاسة ومرونة غير متوفرة راهنا. 

ويبدو لي أن الكرة الآن ليست في الملعب الإيراني وانما في الملعب الأميركي، لسبب بسيط وهو أن الرئيس دونالد ترامب قضی علی بصيص الأمل والثقة التي وجدت بعد التوقيع علی الاتفاق النووي عام 2015، عندما انسحب من هذا الاتفاق عام 2018 وبذلك لم يدخل الاتفاق النووي فحسب وانما العلاقات الثنائية في نفق مظلم أثر في جميع الاطراف المعنية بالملف الإيراني؛ ساهم في ذلك تلكؤ ادارة الرئيس بايدن وترددها في اتخاذ القرار الشجاع بالرجوع للاتفاق النووي كما وعد في انتخابات 2020. 

راهنا يبدو أن ادارة الرئيس بايدن بحاجة لتفاهمات مع الجانب الإيراني، خصوصا تلك المتعلقة بمعتقلين امريكيين تحرص الادارة علی وصولهم لواشنطن قبيل الانتخابات الرئاسية، للتخفيف من حدة المواجهة مع الجمهوريين الذين يريدون الايقاع بالرئيس بايدن وحزبه في الانتخابات، التي لن تكون علی سابقاتها خصوصا في ظل المحاكمات التي يتعرض لها الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب، والملفات القانونية المعقدة التي يواجهها. 

في الجانب الإيراني؛ فإن الأجواء التي تحيط بالعلاقات الاقليمية وتحديدا علاقات طهران بدول الجوار العربية والخليجية علی وجه الخصوص، تدفع بالحكومة الإيرانية الاستجابة للوعود التي تعطيها الدول التي تتوسط في العلاقة مع واشنطن وبالذات تلك التي يبذلها سلطان عمان هيثم بن طارق، الذي قام بزيارة طهران والتقی المرشد الإيراني الاعلی الامام علي خامنئي؛ إضافة إلى أن اية تفاهمات تتم مع الجانب الأميركي وتستطيع ازالة أو التقليل من العقوبات الاقتصادية، تكون مرحبا بها عند الحكومة الإيرانية، التي تسعی لفتح صفحة جديدة من العلاقات الاقتصادية، خصوصا اذا كانت لا تمس الثوابت الإيرانية وتقام علی اساس رابح رابح، كما تم ذلك في الاتفاق النووي أو الصفقة الراهنة. 

يجب ألا ننسی التذكير باستحقاق 18 تشرين الأول/ اكتوبر القادم الذي ينتهي فيه الاتفاق النووي، وهو “يوم الانتقال” الذي سيلغی فيه الحظر علی التسليح الإيراني، وان سلوك الجانب الأميركي مهم جدا لدی الجانب الإيراني، ويستطيع أن يؤثر في مستوی الثقة بين البلدين إلى حد بعيد. 

إن الاسابيع القادمة حساسة جدا ومهمة علی صعيد تعزيز الثقة بين واشنطن وطهران، وهي برسم تنفيذ صفقة تبادل المعتقلين والسلوك الأميركي مع تفاصيل الملف الإيراني.