هيبة الدولة

آراء 2019/05/03
...

أ.د. علي يوسف الشكري
 
لا احد ينكر أن دولة من دون ديمقراطية جسد من دون روح ،  بل جسد مريض لا يرجى شفاؤه ،وعلى مدى خمسة عقود من الزمان ابتلي العراق بداء الديكتاتورية فما تلبث ان تزول ديكتاتورية الا وتحل محلها ديكتاتورية اقسى فمن دكتاتور الى دكتاتور اضحى التداول الدموي الطابع المميز للمشهد السياسي العراقي ، ولم تطو هذه الصفحات المظلمة من تاريخ العراق السياسي الا بماكنة الاحتلال التي ازالت ما تبقى من مظاهر الدولة.
وشاءت العناية الإلهية أن تمن على العراق بحكيم زمانه فَقِيه عصره زاهد الانسانية ،الذي شملت ابويته الجميع من دون استثناء ، دون من كان يظهر خلاف ما يضمر ، لكن وعلى خلاف المنطق والعقل راح البعض يقدح بدل ان يرفع القبعة عرفانا بالجميل ، ويقينا ان امام زمانه غني عن العرفان بجميله ، فلم يشغل السيد علي الحسيني السيستاني الدنيا وتملأ حكمته اروقة الدول والمنتديات ، الا بوسطيته وزهده وصبره وإنسانيته وابوته فحق عليه وصف امام زمانه، 
وإذا راح البعض يقدح بحكمة المرجع الاعلى وابويته فدونه الامر منطق ومعتاد ، اذ لم يبق في العراق شاغل مكان روحي أو رسمي وان علا او نزل الا وقدح بمهنيته وتدينه ونزاهته وطهارة ذمته.
نعم لقد عاث الأغلب الاعم من الساسة بالعراق فسادا فاضاعوا تاريخ دولة وسمعة شعب وارث أمة فحق على كل من خان وخذل واساء ان يحاكم عن جريمة خيانة الله والشعب فذمته مشغولة امام الشعب ومن قبل امام الله جل شانه وعلا.
ويقينا في زمن الأزمة وتسيد الشر وندرة الخير وغبرة المشهد من العسير تمييز الغث من السمين لشح السمين وفائض الغث ، لكن السمين لايزال موجودا وان ندر ومنهم من ينتظر نفض غبار الفوضى كي يظهر معدنه الأصيل.
  ان وسم كل شاغل منصب بالفاسد والتشكيك بذمته والعمل بمبدأ سوء الظن من حسن الفطن امر فيه تجن لا على النزيه المهني حسب ولكن فيه ظلم للدولة التي ما مر عهد فيها الا وكان للظالم المستبد نصيب منها لكنها ما تلبث ان تنفض غبار الظلم لتنتصر لنفسها وشعبها المقهور
ويقينا وبظرس قاطع ان كثيرا مما يحكى عنه وما يروى فيه ذَو صلة بالحقيقة فليس ظلالة انتشار آفة الفساد التي آلمت بمفاصل الدولة وتفرعاتها حتى غدا الحديث عن المعافى غير المصاب امر نادر لكن الندرة لا تعني الانتفاء ولكن القلة. وراح البعض مدفوعا بمحركات خارجية او دوافع ذاتية يستهدف النزيه النادر مرة بقصد ابتزازه ليسكت عن فساده واُخرى بدافع اسكات صوت الأمل واخماد نوره الخافت فما ان توقد في العراق شمعة للأمل الا ورياح الفساد تعصف بنورها كي تطفىء ضياء الأمل المتضائلة.
ويقينا ان التعكز على عصا الديمقراطية لتبرير مفسدة الاستهداف فيه تجن على الديمقراطية ذاتها بل استهداف لسمو مضامينها ، فالديمقراطية تعني ان لكل الحق في ان تقول ماتشاء من دون المساس بالاخر بلا وجه حق، وللآخر ان ينتصر لظلامته  اما ان تهاجم وتتهم وتبتز وتساوم بقصد المغانم فذلك لا يمت للديمقراطية بصلة لكنه محض فوضى وتجن فبين الفوضى والديمقراطية خيط ابيض.
واللافت الجديد في سلسلة الاستهداف الممنهج في العراق انه راح يطال النزيه الامين، كيف لا وهو المتصدي والكاشف المانع فالنزيه ضعيف حيث لا يجالس قادة الفساد ورعاته، وهو واهن حيث ليس لديه القدرة على اسكات صوت المبتزين بماله اليسير، وهو 
الحلقة الأضعف في سلسلة القرار الحكومي حيث لا عكاز يتوكأ عليها الا عصا النزاهة والمهنية  لكن على من تصدى وقبل وقبض الجمر في يده ان يستذكر خالدة علي شريعتي( عندما تقرر الوقوف ضد الظلم توقع انك سوف تشتم ، ثم تخون ، ثم تكفر لكن إياك ان تسكت عن الظلم من اجل ان يقال عنك رجل سلام).