سفينة في زجاجة

بانوراما 2023/08/16
...

 ليندا سينكلير

 ترجمة: مي اسماعيل

تعلم ويلسون (وهو مهندس راديو متقاعد) عملية صنع نماذج السفن داخل الزجاجات من والده، وقضى عقودا يعلمه للآخرين. يتذكر ويلسون كيف صنع والده (الذي كان نجار سفن في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي) نموذجا مصغرا لسفينة، ليس في زجاجة قديمة، بل داخل صمام لاسلكي قديم. يشرح ويلسون، الذي بدأ يصنع نماذجه في العشرينيات من عمره، انها عملية تفصيلية تستغرق وقتا طويلا، تبدأ بنحت الهيكل ولصقه على قطعة أكبر من الخشب ليبقى 

ثابتا.

وتكون الخطوة التالية بناء الصواري والعوارض من خشب البامبو، وهو الخيار الأفضل لأنه يبقى قويا، حتى بتقطيعه إلى شرائح رقيقة. ويمضي ويلسون قائلا: "تُصنع الأشرعة واحدا تلو الآخر، ثم تضاف العوارض وأخيرا الحبال. وفي النهاية ينتهي بنا الأمر بسفينة مكتملة، لنقوم بطيها جانبا تقريبا لنضعها في الزجاجة".) هنا يستخدم ويلسون أدواته المعدنية المصنوعة يدويا ليعيد إقامة السفينة داخل الزجاجة، وتثبيتها بالموضع المطلوب بالخيوط. ثم يأتي دور وضع "البحر" في الزجاجة، وهو هنا مصنوع من المعجون الملون الذي يجري ادخاله من فوهة الزجاجة ويُترك حتى يجف قبل وضع السفينة بالموقع النهائي. وأخيرا، يجري سحب خيط يرفع الأشرعة والصواري بالوضع الصحيح. 


أكبر نموذج 

دأبت الفنانة "فيونا ساندرسون" على تعلُّم فن صناعة السفن داخل الزجاجة من لين ويلسون، لرغبتها في الاستفادة من دروسه بالطريقة الأصيلة، قائلة: "يمكن العثور على كتب تعليم هذا الفن أو أفلام من موقع "يوتيوب" حول هذا الموضوع، لكنها تتضمن نوعا من الغش باستخدام مفاصل معدنية. لكن أسلوب ويلسون في تنفيذها يتبع ذات الطريقة المستخدمة منذ مئات السنين. 

يعود أقدم نموذج معروف للسفينة في الزجاجة إلى عام 1784، وفقا لقول "سيمون ستيفنز" أمين مجموعات نماذج السفن والقوارب في المتحف البحري الوطني بغرينتش- لندن: "صُنِع ذلك النموذج من قبل  أحد سكان البندقية ويُدعى "جيوني بيوندو"، الذي كان يصنع زجاجات منفوخة لأفراد الطبقة الارستقراطية ولصالح بحرية البندقية أيضا". ثم توإلى ظهور تلك القطع الدقيقة التي تعود للقرن التاسع عشر. 

 يعد المتحف البحري بريطانيا في غرينتش- لندن  موطنا لأكبر مجموعة عالمية من نماذج السفن داخل الزجاجات، ويحوي ما يفوق 4500 قطعة، كما يؤكد ستيفنز، ويمضي قائلا: "لدينا ايضا أكبر نموذج في العالم لسفينة في زجاجة، وهي العمل الفني الجميل للفنان الشهير "ينكا شونيبير"، والتي جرى التكليف بتنفيذها لتوضع على المنصة الرابعة في ساحة الطرف الغر بلندن. ثم قررنا شراءها وهي اليوم محل العرض الخارجي أمام المدخل الرئيس للمتحف. وبلغ حجمها من الكبر حدا يسمح لأخصائي الترميم لدينا بالتسلق من خلال الرقبة لمنحها التنظيف والترميم 

السنوي". 


تحدٍ ضد الاحباط

تعود فكرة وضع الأشياء داخل الزجاجات إلى القرن السادس عشر، وفقا لـــ"بيتر برادشو" رئيس الرابطة الأوروبية للسفن في القوارير، والذي يذكر أنه عُرِف عن عمال التعدين في بافاريا وأواسط أوروبا الذين عانوا الاحباط جراء ظروف عملهم، عمدوا إلى صناعة تماثيل نماذج مصغرة لعمال تعدين ووضعوها في زجاجات.. "كاحتجاج صامت على الطريقة التي يعاملهم بها أرباب عملهم". 

كانت تلك النماذج منفذة من عدة طبقات، يعمل العمال في الطبقة السفلى، بينما يظهر أرباب العمل في الطبقة العليا.. "وهم يحتفلون ويأكلون ويشربون". يرى الخبراء أنّ البحارة صنعوا نماذج للسفن في الزجاجات لأسباب متنوعة، منها- تحدٍ لملء وقت الفراغ، أو لكسب مبالغ مالية اضافية ينفقونها في الحانات على اليابسة، أو لتكون هدايا للعائلة، أو للاحتفاظ بها لا غير..

بالنسبة للفنانة ساندرسون يبقى الجزء الأفضل من العمل الدقيق لصنع سفينة داخل الزجاجة هو لحظة الانتهاء، قائلة: "عندما تستغرق خمسين ساعة (في حالتي) لصنع هذا النموذج الصغير لسفينة، ثم تحطمه جانبا باصبعك فيجب أن تكون لديك أعصاب قوية حتى تضعها فعليا داخل الزجاجة، ثم تبدأ العمل الدقيق عكسيا لتعيد نصبها من جديد.. إنه شيء

كالسحر..". 

عن موقع بي بي سي البريطانية