أدب الطف

ثقافة شعبية 2023/08/17
...

كاظم غيلان

ظلت واقعة الطف متداولة حاضرة بقوة متجددة في ذاكرتنا الجمعية برغم محاولات القمع الحكومي، مثلما بقيت عرضة لتشوهات وتحريفات بفعل صراعات القوى السياسية، ومحاولات توظيف شعائر تلك الواقعة التاريخية إلى أدوات صراعات لاعلاقة لها بمضمون الواقعة ومجرياتها .
كان للمواكب الحسينية وأصوات قرائها التي أخذت ألوانا جمالية أخاذة فيها من الغنائية العالية ما جعلها مسكونة في ذاكرتي.
إلا أن أول علاقة معرفية لي بهذه الواقعة فتعود ليوم قراءتي لكتيب من تأليف المرحوم ( خليل رشيد) والذي حمل ( أدب الطف) عنوانا فقد التهمت أوراق هذا الكتيب أثناء عملي في صالون خليل رشيد وأنا في مرحلة الرابع الابتدائي، إذ كنت أعمل في هذا المحل الذي تحول بفعل شخصية أستاذي (ابو فاضل) من محل حلاقة إلى صالون ثقافي، يتمثل بزبائنه الذين هم أعلام الأدب والثقافة بمدينتنا الصغيرة . الكتيب هذا وببساطته وعدد أوراقه التي لم تتجاوز المئة وعشرين صفحة، هو أول من دلني على أدب هذه الواقعة، من خلال نماذج شعرية وسرد متواضع لمجريات تلك الواقعة .
ظل هذا الكتيب مانعا لما أتمتع به من وعي في ذلك السن المبكر، من تشوهات كنت أرصدها في ردات المواكب الحسينية التي اخترقتها الصراعات السياسية، والتي عملت على حرف الشعائر الحقيقية، فأعداء تجربة الوحدة العربية التي دعا لها عبد الناصر عند الستينيات سرعان ما ابتهجوا بفشل التجربة، وسارعوا لردات التشفي بذلك الفشل وهم يرددون لاطمين وقد ابدلوا عبد الناصر إلى( شبوط) وأتذكر أبياتهم تلك:
( شبوط ياقائد الأحرار وحدة الزوري غدت طشار )
انهارت تجربة الوحدة وتشرذمت قواها إلا أن تشويهات الردات الحسينية أخذت بالاستمرار، ففي ظل معركة النفط التي انتهت بتأميمه مطلع السبعينيات، راح يوظف تلك المعركة أحد قراء المواكب ليحشرها بإحدى ليالي العزاء، وهو يسمعنا:
( النفط .. اه النفط كيج يصعد..كيج لحظه ينهبط)  .
إن حشر تلك الردات السياسية فيها من الشعبوي ما لايتناسب وجوهر ثورة الحسين، مع أن توظيف الصراخ بوجه الظلم والفساد وغياب العدل لربما مستحسن جدا وله مقبولية شعبية واسعة.  
ارتبط شعر العامية كلونٍ أدبي في صدارة الآداب التي جسدت الواقعة ولعل قصيدة ( يحسين بضمايرنا) لياسين الرميثي ظلت من الأعمال الحاضرة ليومنا هذا، فضلا عن العديد من النماذج التي جسدت تلك الواقعة. إلا أنّه وبفعل ما يتعرض له هذا اللون الإبداعي من تشوهات ظهرت العديد من النشازات التي تعكس رثاثة وسطحية البعض من ناظمي النماذج الهابطة، ولربما ذكرت ونبهت لذلك قبل أكثر من عام لظاهرة (مهاويل الطف)، والتي عكست مدى التحريف الحاصل لهذه الواقعة التاريخية من خلال الهابط والمتردي من هكذا نماذج، فهذا مهوال يجسد الواقعة من خلال أحد ابطالها ليحيلها إلى مشاجرة عشائرية من خلال قوله:
( طب للحومه.. وشك اهدومه  وصاح: العطوه انشالت)
هذا نموذج واحد لربما يطلق على قائله( الشاعر الكبير) في زمن، كالذي نعيشه الآن يرعى ويمول كل ظواهر التزوير والتحريف .
يظل أدب الطف من خلال نماذجه الإبداعية أعلى شأنا وأشد حضورا، بدلالة ما يسكن في وجداننا من خلال صوت القارئ( عبد الزهرة الكعبي) الذي يتجدد في كل عاشر من محرم .