الأحلام التركية في تصورات الساسة

آراء 2023/08/19
...

رزاق عداي    

المماطلة والتسويف التي تبديها الحكومات التركية المتعاقبة في ما يتعلق بحصة العراق من مياه دجلة والفرات، إنما هي مواصلة لحلم الرئيس التركي الاسبق (توركوت أوزال)، الذي كان يأمل في أنه سياتي اليوم الذي سوف يرضخ فيه العراق ويبادل برميل الماء (التركي) مع برميل النفط العراقي، باعتقاد سخيف وغير معقول منه بان الماء التركي والنفط العراق هما هبة الارض للجميع من دون جهد ولا عمل، فلتقسم غلة الارض بينهما،
ان السياسة التركية تقوم اليوم على حق السيادة المطلقة لتركيا على مواردها المائية في حوضي دجاة والفرات داخل اراضيها، لذلك تصرفت بشكل مطلق بمياه النهرين ومن خلال السدود والمشاريع الاروائية، مستمرة بهذا النهج من دون مراعاة حقوق الدول المتشاطئة معها، وترفض مبداْ تقسيم مياه نهري دجلة والفرات أو توزيعهما أو محاصصتها، أحد رؤساء وزراء تركيا (سليمان ديميرل) في مطلع التسعينات يقول (إن لتركيا حق السيادة على مواردها المائية، ولا ينبغي أن تخلق السدود التي نبنيها على دجلة والفرات اية مشكلة دولية، ويجب أن يدرك الجميع أن لا نهر الفرات ولا دجلة من الأنهار الدولية، فهما من الانهار التركية حتى النقطة التي يغادران فيها الاقليم التركي، فحسب رأيه أن النهر لا يمكن اعتباره نهرا دولياً الا اذا كان يشكل الحدود بين دولتين أو اكثر، ولكل دولة حقها في استقلال مواردها المالية، ويرى وزير خارجيته (حكمت تشتين)، إن تركيا تملك ثروة مائية على جانب كبير من الأهمية، وإن من حقها بيع هذه الثروة مثلما يتاجر الاخرون بالنفط ويحتكرون عائداته.
 من الواضح أن أحد أهم أهداف تركيا هو استخدام المياه كسلاح سياسي وكورقة ضغط على سوريا والعراق، بالمقابل العراق يملك المزيد من الاسلحة في هذه العركة السياسية الضروس، لاسيما أن تركيا اليوم تمر بمشكلات عويصة، مالية وامنية، لذلك على المفاوض العراقي أن يدرك كيف يضغط على الطرف التركي ويجعله يرضخ لمطالبه، ويردم الحلقات الرخوة التي يحاول المفاوض التركي أن يتسلل من خلالها، فحجم التبادل التجاري الكبير بين العراق وتركيا غير المتكافئ لصالح الاخيرة يمكن أن يكون سلاحا قوياً إلى جانب العراق، وهناك الحدود العراقية التركية التي تشكل عقدة امنية تواجهها تركيا، من خلال تسلل حزب العمال التركي الكردي.
 وعموما اذا كانت تصورات الساسة الأتراك هي محض أحلام، واذا كان الرئيس التركي الاسبق لم يحالفه الحظ في أن يشهد تحقيق حلمه، إلا أن فاعلية هذه الرؤية المؤجلة ظلت تسري في تيار اللا شعور السياسي التركي لغاية الساعة، ولكي تترجم هذه الرؤية وتنفذ على صعيد الواقع، كانت السدود التركية تبنى سريعا دون خوف ولا وجل، وها هما النهران العظيمان يمران في مرحلة الشيخوخة والاحتضار.