الحشود الأميركيَّة في المنطقة

آراء 2023/08/22
...

 سناء الوادي 

وصف المحللون السياسيون منطقة العراق والشمال الشرقي حتى التنف الحدودية، بأنها تقبع على صفيح ساخن وقد تنفجر فيها الأوضاع بأية لحظة، فكل الدلائل على الأرض تفضي باقتراب عملية عسكرية أميركيَّة وشيكة. هذا ويتساءل الجميع حول من المقصود بهذه العملية إن تمت؟ كلُّ طرف يفسر ذلك حسب ما تهوى نفسه وتخدم مصالحه، لكنه واهمٌ من يعتقد بعد كل الويلات التي تسببت بها أميركا في دول العالم أن تكون له الملاك المخلّص من شرور الحكام أو أنها تحشد كل تلك القوات والمعدات الحربية كرمى لعينين الشعب الجائع المحاصر أصلا بفعل عقوباتها الاقتصادية.

بلاد العم سام بدولتها العميقة لم تبسط يدها يوماً إلاّ لغايات تنشدها أو لثروات تسرقها وتفتك بالشعوب وتضرب بمستقبلها عرض الحائط، وخير دليل ما يجري في أوكرانيا، التي كانت ساحة للحرب بالوكالة عن أميركا في مواجهة الدب الروسي، فها هي اليوم بلدٌ مدمر وشعبٌ مهجر.

وبالعودة إلى ما يجري في منطقتنا فمنذ قرابة الشهر حرّكت واشنطن الفرقة الجبلية العاشرة، التي كانت تتمركز في ولاية نيويورك باتجاه سوريا والعراق، والتي سوف تنشر 2500 جندي، وفقاً للمهمة الرسمية التي أنيطت بها والمعلنة هي محاربتها لتنظيم داعش الإرهابي، ومن الجدير بالذكر أن هذه الفرقة الجبلية قد انتشرت من قبل أكثر من عشرين مرة في أفغانستان والعراق، ويتزامن ذلك مع أنباء عن إرسال طائرات إف - 16 المقاتلة الحديثة للشرق الأوسط.

أما على الصعيد المائي العربي فقد عززت أميركا الأسطول الخامس المتواجد في دولة البحرين بقرابة 3000 عنصر إضافي، ناهيك عن نشر الوحدات البرمائية في مياه الخليج « يو اس اس باتان « والوحدة البحرية 26 والتي تضم 2500 عنصر من مشاة البحرية، إضافة لحاملة الطائرات «يو اس اس توماس هودنر».

وفي هذا الصدد فإن التحشيد العسكري شمال سوريا وفي منطقة الخليج العربي، لا يندرج برأيي إلا في إطار الحرب النفسية على إيران في محاولة لردعها عن التحالف الوثيق مع الدولة السورية وقطع أذرعها في لبنان، فمرحلة شد الحبال قد بدأت بين الطرفين، وإذا ما أطبقت واشنطن سيطرتها على الشريط الحدودي بين العراق وسوريا وصولاً إلى الأردن، تكون قد وضعت إيران في خانة اليك وقطعت الإمدادات إلى حزب الله اللبناني وحرمتها من الوصول السريع إلى البحر المتوسط، ومن جهة أخرى تضييق الخناق عليها في الخليج العربي، خوفاً من حرب جديدة للناقلات العابرة لمضيق هرمز، والتي كان قد هدد قبل حين مسؤول الحرس الثوري الإيراني بإغلاق المضيقين الحيويين المتحكمين بخمس تجارة العالم المائية «باب المندب وهرمز «، وقد تم الاستعداد للقيام بمناورات عسكرية لعشرات القوارب لتبيان قدرته على ذلك.

وبذلك تكون قد منحت الاطمئنان لليمين المتطرف الذي يحكم إسرائيل الآن، والذي يعاني ما يعانيه من اضطرابات داخلية وغليان في الشارع الإسرائيلي، قد لا يجد مخرجاً من ورطته إلا بإشعال حرب يوجه نظر شعبه إليها فيمتص الاحتقان الذي يعتلي نفوسهم. 

ناهيك عن اقتراب موعد الانتخابات الأميركيَّة، حيث يريد الرئيس جو بايدن أن يلعب بورقة رابحة تزيد من فرصته الانتخابية أمام الأميركان، خاصة بعدما سقط في الوحل الأوكراني وفرض العقوبات على موسكو والتي رفعت من نسب التضخم عنده فإذا ما أغلقت إيران مضيق هرمز زادت من أسعار النفط العالمية ما يعني معاودة لارتفاع التضخم من جديد وهياج شعبي مرافق لذلك وهو ما يريده الآن بالتأكيد، فضلاً عن أن أساليب الردع الأميركي لإيران في الفترة السابقة لم تكن مرضية وكافية لطمأنة الشركات الأميركيَّة العاملة في المنطقة العربية بشأن سلامة أعمالها وتجارتها في الخليج العربي.

وبالنتيجة لذلك فإن جلَّ ما ستفضي إليه هذه التحركات في المنطقة، هو أن تكون سوريا والعراق ساحة لتصفية الحسابات بين أميركا وإيران ما يعني المزيد من الدم وتقسيم البلاد إضافة للمزيد من الضغط على الجانب الروسي المتواجد شمال سوريا، وإذا ما أنجزت واشنطن مخططاتها ستسيطر على الطرق الستراتيجية الحيوية وتتحكم في مقدرات المنطقة.

إنَّ كلَّ ما نعانيه الآن بفعل عدم استقرار ميزان القوى الدولي، وهنا تكمن الخطورة الجيوسياسية لمجمل الأحداث، فعالم اليوم يمرّ بمرحلة المخاض لحرب عالمية ثالثة نشهد أحداثها سيولد بعدها عالم جديد متعدد الأقطاب.