محمد صالح صدقيان
اهتمت المنطقة والعالم بالزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان للمملكة العربية السعودية في الوقت الذي ركزت فيه علی اللقاء الذي تم بينه وبين ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي فاجأ الجميع سواء في الترتيبات أو في المحتوی أو في المخرجات .
الاستقرار الذي تستهدفه خطوات تطبيع العلاقات السعودية الإيرانية، عكس قناعة جميع الأطراف بوضع حد للتدافع الأمني والسياسي الذي دام سنوات في المنطقة، وضرورة الاتجاه إلی حالة من التفاهم والتنسيق في إطار مبادئ حسن الجوار واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، كما جاء في جوهر بيان بكين الثلاثي .
في العاشر من شهر آذار الماضي، كتب موقع "نور نيوز" القريب من مجلس الأمن القومي الإيراني تغريدة قال فيها: "إن أمين المجلس المذكور أجری مباحثات مهمة جدا ستؤثر نتائجها في مجمل التطورات في المنطقة" . لم يكن أحد يتصور أن تكون هذه المباحثات مقدمة لصدور البيان الثلاثي الصيني السعودي الإيراني المشترك، الذي كشف عن اتفاق لعودة العلاقات الدبلوماسية وفتح المقار الدبلوماسية في كلا البلدين . اللقاء الذي تم بعد ذلك بثلاثين يوما بين وزيري الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان والسعودي فيصل بن فرحان، كان مهما لتحديد أبعاد طاولة الحوار الثنائية، لكن الأهم من ذلك كانت الزيارة التي قام بها الوزير السعودي لطهران؛ والثانية التي قام بها الإيراني للرياض .
وبنظرة واقعية فإن اللقاء الذي تم بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والوزير الإيراني أمير عبد اللهيان الذي استغرق 90 دقيقة، كان نقطة مفصلية مهمة ستترتب عليها تطورات مستقبلية جوهرية في مسار العلاقات الثنائية المتنامية .
لقد حرص الأمير محمد بن سلمان على أن يكون اللقاء في مدينة جدة بدلا من الرياض، ليكون بعيدا عن الرسمية وأكثر قربا للصداقة والمودة التي أراد إرسالها لطهران . النقطة الأخری أنها كانت باللغة العربية من دون مترجم، لأن عبد اللهيان يجيد تكلم العربية وقد استغل الأمير هذه النقطة ليكون الحديث بشكل مباشر وبالعربية الواضحة السهلة .
المصادر نقلت محاولة الأمير الذي يمسك بالقرار السعودي، إرسال رسالة واضحة للقيادة الإيرانية التي خصها بالتحية والإشادة، أن المملكة لديها النوايا الصادقة والجامحة لتطوير العلاقات الثنائية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية في المجالات المختلفة، وتحديدا السياسية والأمنية والاقتصادية، وهي بصدد كتابة مسودة لمعاهدة شاملة بين البلدين، وهي لن ترضخ بذلك لأية ضغوط أو مؤثرات خارجية .
هذه المرة الأولی التي يتم فيها الاتفاق مع إيران في عهد يهيمن عليه الأصوليون القريبون من دوائر القرار، لأن المرات السابقة كانت في عهد الرئيس هاشمي رفسنجاني "1989 – 1997" ؛ والأخری بعهد الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي "1997- 2005" حيث تم التوقيع علی اتفاقية التعاون الشاملة عام 1998 والاتفاقية الأمنية عام 2001 . أهمية الحالة الجديدة هي التي تعطي الأمل باستدامة ما يتم الاتفاق عليه، وهي أيضا تعطي قوة لأي اتفاق أو تفاهم يمكن التوصل إليه بين البلدين . وعندما دعا عبد اللهيان الأمير محمد بن سلمان لزيارة طهران، كان هناك ترحيب ورغبة عند الأمير بالقيام بهذه الزيارة إذا كانت تسهم في التسريع بعملية فرش السجادة الحمراء للعلاقات الثنائية، حتی لو كانت قبل الزيارة التي يعتزم الرئيس إبراهيم رئيسي القيام بها للرياض .
هذه الأجواء والتطورات المهمة التي تبعث علی الأمل لا تمنع من وجود تحديات مهمة أمام البلدين يجب تجاوزها، وهما يسيران علی الطريق الجديد، فالبلدان لهما قاموسان مختلفان في قراءة أوضاع المنطقة والعالم، ولهما صداقات وتحالفات مختلفة في المضمون والاتجاه، وهما بحاجة لقاموس ثالث يحدد علاقتهما بعد غربة دامت أكثر من أربعة عقود ؛ وإن كتابة أوراق القاموس الجديد سوف لن تكون سهلة المنال، لكن ما يجعلنا متفائلين وجود الرغبة عند قيادة البلدين بتجاوز المشكلات .
في القاموس السعودي هناك تعريفات وتصورات ومصالح تخص الواقع السيادي الذي تؤمن به الرياض؛ بينما يحتوی القاموس الإيراني تصورات وثوابت ومبادئ .
ليس من المفترض أن تتم معالجة هذا التباين قبل الجلوس إلی طاولة الحوار، وإنما العمل علی بحث المشتركات ومساعدة الآخر علی تبني عوامل التعاون والتنسيق بما يخدم مصالح البلدين . ولربما استطاع هذا الطرف مساعدة الآخر في حل مشكلة وقع بها مع المحيط الإقليمي أو علی الصعيد الدولي من أجل تعزيز الثقة .
إن المنطقة والعالم يتطلعان لصياغة أطر وقواعد اقتصادية بعد "جائحة كورونا" والحرب في أوكرانيا . واهتمام العالم بمؤتمر البريكس الذي يعقد في أفريقيا الجنوبية الأسبوع القادم، ما هو إلا مؤشر لهذا الاهتمام ومآلاته في الاقتصاد الدولي .
أنا مقتنع أن ما أطرحه ليس وهما، كما أنه ليس ضربا من الخيال، بل هو استحقاق يشكل جزءا من التحديات التي تقف أمام تطور العلاقة بين السعودية وإيران .