زيلينسكي يدفع فاتورة خسارة ماكرون للنيجر

آراء 2023/08/23
...



 محمود نجم الدين المعمار

أجبر الغرب بوتين على النزول في الدهليز الأوكراني لجدية التحديات التي تواجهها بلاده، كما أوضحنا في المقال السابق، بغية استنزافه عسكريا واقتصاديا عن طريق عقوبات تفرضها الإدارة الأمريكية على روسيا، وبحسب نيكولا ميكافيللي (على الرغم من أن الغرض من شن الحرب، كان دائما كسب الثراء وإفقار الأعداء وعلى هذا فان الدولة التي تمنى بالفقر والضعف من جراء الحرب على الرغم من انتصارها, تكون أسوأ حال في النصر منها في الهزيمة) مما قد يشكل بيئة ملائمة لخلق حالة من السخط الشعبي على ادارة بوتين للتحديات، التي سيتحتم عليه مواجهتها
والتي قد تهدد الاستقرار الداخلي وستضرب شرعيته في مقتل فالاستقرار هو مصدر الشرعية كما يرى الفيلسوف الألماني المعاصر يورغن هابر ماس( اذ إن أصل الشرعية هو وجود إقرار على أن النظام السياسي حقيقي وعادل والاعتراف، يشمل وجود تقييم يعزو العدل والملائمة للوضع الراهن، ويعتبر الاستقرار أحد أهم نتائج الشرعية وهذه النتيجة تؤخذ على أنها استقرار الوضع القائم والمحافظة عليه مع إمكانية التكيف مع حجم التوترات أو التغيرات التي تواجهه، فالشرعية اليوم رهينة بنيل رضا المجتمع وتجنب سخطه والتوترات الناتجة عن ذلك السخط) وأن بوتين متنبه جدا لهذا الأمر، فقد سعى لطمأنة الشعب الروسي في لقاء متلفز في يوم المرأة العالمي، بأنه لن يستدعي قوات الاحتياط بعد دخوله مستنقع أوكرانيا، والذي أطلق عليه اسم العملية العسكرية تصغيرا من حجم الحرب التي تدور رحاها إلى الآن.
راهن الغرب على وسائل الردع الاقتصادية عن طريق خلق حالة من الاحتقان الداخلي لتأديب الدب الروسي، بينما راهن سيد الكرملن على إدمان الغرب للغاز الروسي، وبعد تهديدات كاذبة من قبل ألمانيا التي على ما يبدو أنها استعجلت بتحويل مصادر الطاقة لديها إلى طاقة نظيفة بعد غلقها للمفاعلات النووية المنتجة للطاقة، واعتمادها على الغاز الروسي وآمالها التي علقتها على خط أنابيب نورد ستريم 2، الذي تم تفجيره بسيناريوهات يشوبها الغموض واللبس، وتفاقمت الأزمة الاقتصادية في العالم، ما جعل الدول الصناعية هي الدول الأكثر تضررا من جراء هذه الأزمة، على رأسها ألمانيا التي هي الآن في أحوج وقت لمصادر جديدة
للطاقة.
قامت روسيا بخلق حالة من الاحتقان العالمي عبر إيقافها لاتفاقية الحبوب، التي ضغطت على القارة السمراء، والتي تعاني أساسا من الجوع والفقر وقامت بدعم رئيس الحرس الرئاسي عبد الرحمن تشياني بالانقلاب على رئيس النيجر محمد بازوم حليف فرنسا، الذي أعلن بعد ان أطاح بغريمه بإيقاف تصدير اليورانيوم والذهب إلى
فرنسا.
اليورانيوم الذي يعد شريان الطاقة الرئيس لدولة محورية في حلف الناتو كفرنسا التي تمتلك 56 مفاعلا نوويا لتغذية 18 محطة طاقة، موزعة بين أراضيها، والتي تستهلك ما يقرب من 800 طن سنويا من أوكسيد اليورانيوم المستخرج من دولة النيجر، والذي يكفي فرنسا لتوفير 70 % من احتياجها للطاقة، وجعلها اكبر مصدر للطاقة النووية بعائدات تقدر بحوالي 3 مليارات يورو سنويا، مما جعل هذا الانقلاب الذي حصل في النيجر كارثة على
الفرنسيين.
أعاد هذا الانقلاب التوازن في القوى الجيوسياسية، ما أثر في نبرة الخطاب الموجه إلى قيصر روسيا من قبل الفرنسيين، الذي بدا شديد الوضوح من خلال اقتراح الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي الاستفتاء كحل للنزاع الروسي الأوكراني، وأكد ضرورة بقاء أوكرانيا كأرض حيادية غير قابلة للانضمام للناتو أو للاتحاد الأوروبي، الذي يفسر كمبادرة لجس النبض الروسي من قبل مسؤول غير رسمي، فإن لاقى القبول تتم تسوية الأمر، وإن قوبل بالرفض فلن يجعل باريس في موقف محرج أمام الرأي الدولي، الذي تزعمته في دعم الاوكران ضد الغزو الروسي ولكن, على ما يبدو أن هذه التسوية التي طرحها ساركوزي لا تلبي رغبات الروس، لأن المقابل الذي يتم طرحه من تحت الطاولة هو رفع الدعم عن الرئيس النيجيري المنقلب، واستعادة النفوذ الفرنسي في المنطقة الإفريقية وهو في ظل الظروف الراهنة يعتبر مقايضة خاسرة أمام النكبات التي تعرض لها الجيش الاوكراني في الآونة الأخيرة.