د. مضاد عجيل
لكي لا تتحول الصور النمطيَّة السائدة عن النظام المباد ممثلة بشخص رئيسه، الذي يقترب كثيرا من نوازع الشخصية البدوية العربية، حيث يظهر بوقائع وصور تصدره وكأنه بطل تأريخي، في هذه الصور راح الفرد العربي يرى ذاته المهزومة والمنكسرة..
وهنا لا بدَّ من أن نعيد تصحيح الصورة وكشف الأطراف الصامتة والمستفيدة والموهومة، التي تضمر النقمة والشر لوطننا وأهلنا.
فالوثائق تؤكد بما لا تقبل الشك أن كلَّ ما يذكره الإعلام المعادي والمناور بأن ذلك الزمن، كان زمنا سياديا، متغافلين عن حقيقته التي تؤكدها الوقائع التأريخية والحقائق، التي يعرفها الجميع بأنه (زمن مهانة).
فمنذ عهد الملك غازي إلى حكم البكر، لم يوقع زعماء العراق وثيقة اعتراف بالكويت كدولة، إلا في زمن صدام في خيمة الذل والعار خيمة صفوان، حيث وقع مرغما عام 1994.
ما يثير مخاوفنا حقا أنه بمجرد أن تحدثت قناة ما عن ناحية أم قصر، حتى خرج جمهور من الناحية نفسها ليرفع صورة صدام، ليتناول الإعلام الشريف في اليوم التالي هذه الوثيقة الدامغة الفاضحة فيتراجع الجمهور و يسكت، فالانشغال بتهديم سياج مسجد في أبي الخصيب لأغراض خدمية، حاول البعض أن يجيّره لموضوع تجاوزه العقل الوطني للجيل الجديد، الذي رفض العزف على الأوتار الطائفية المقيتة..
وبصفتنا كأساتذة جامعيين ومربّين تربويين لجيل جديد ولد بعد أحداث عام 2003، قد يجهل أو يريد أن يتجاهل تلك الصور المأساوية التي عشناها معاً، لقد آن الأوان أن نكشف حقيقة ذاك النظام القمعي الشمولي الدموي.
هناك مقولة مهمة جدا وهي إن النظام السابق عبارة عن سلسلة من الصور الاستعراضية الفارغة المحتوى والجوهر، بل هي مجرد عنتريات وحركات نمطية، شكلت صورته في أذهان لم تعش تلك المرحلة الظلامية الحالكة، وأجواء الحروب العبثية التي حصدت زهرة شباب العراق في بداية نهوضه..
فالمطلوب الآن أن نعيد صياغة الوجدان، ونعيد رسم الصورة بأبعادها وملامحها الجوهرية، لنكسر مرة أخرى تلك الصنمية الرابضة في قعر العقول الساذجة، ونتعامل مع الموروث بحقائقه ومعطياته بطرق علمية على المستوى التربوي والإعلامي، لكي لا تستمر المهازل التمثيلية والمسرحيات الهزلية للنظام الوحشي والمستفيدين منه محلياً وعربياً..
فالنظام السابق وبكل الوثائق التي تثبت أنه لم يخض معركة دفاع واحدة عن أي رمز من رموز الوطن، وهو الذي تخلى عن القصر الجمهوري رمز السيادة وهيبتها، فالقصر هنا كالعلم، وذات مرة قال صدام “إن من يتخلى عن موضعه في ساحة الحرب علينا أن نقطع رأسه “، فكان هو أول من تخلى عن موضعه وذهب إلى الحفرة..
علينا أن نحفر في بنيات العقل العربي والعراقي عبر مناهج وطرائق وأساليب متجددة وفاعلة ومؤثرة، تحسن استخدام الصورة، وتدرك قراءة التاريخ بعمق
وموضوعية.
وزير التعليم العالي الدكتور نعيم العبودي أحرج الجميع، عندما وجه بوضع منهاج لتعرية جرائم حزب البعث المباد، وهي خطوة شجاعة ونبيلة عجزت عنها كل الجهات السياسية على مدار عشرين عاما، خطوة منصفة لكل ضحايا النظام السابق، وتأسيس أكاديمي مهم للغاية سيدرس في كل الجامعات، وفي كل التخصصات .