طارق حسين: الشِّعر قضية ويجب أن ينحاز للوطن

ثقافة شعبية 2023/08/24
...

 بغداد: نوارة محمد

تتداخل السيرة الذاتية للشاعر والكاتب طارق حسين مع الكثير من الأحداث وهي غنية بالانجازات والأفكار، فهو شاعر عِذب المفردة والروح، ترك بصمتهُ في الأغنية العراقية منذ أن كتب أول قصيدة غنائية. تفجرت مواهبه الشعرية في الثمانينيات فكتب الشعر بصنفيه العامي 

والفصيح .

"يقول طارق حسين عن بداياته "في طفولتي وصباي كنت منبهرا بـ(ربيانه) النهر المجاور لمنزلنا الطيني وكثيرا ماكنت ألوذ به كلما شعرت بحاجتي إلى الوحدة والتأمل ملقيا بجسدي بين شجرتي الصفصاف. في ذلك الحين كان اخي الأكبر صحافيا موهوبا يكتب هنا وهناك، يزورنا محملا بحزمة من الإصدارات الحديثة : صحف، مجلات وكتب عرفت من خلالها أعلام الأدب العالمي والعربي والعراقي أخذت اقرأها بنهم رغم أنني لم استوعب الكثير منها إلا أنّ القراءة صارت هاجسي الوحيد فيما بعد وفي أحد الأيام بينما كنت أعيد قراءة كتاب ( ثورة الشعر الحديث ) للكاتب والمترجم عبدالغفار المكاوي استوقفتني لافتة شعرية مفتوحة لم يضع لها شاعرها نهاية يقول فيها:(هم يريدون الحرب)شغلتني هذه الجملة وشعرتُ بحاجتي لكتابة

 الشِّعر".

مارس حسين دورا صحافياً بارعا وهو يتنقل بصفة محرر بين الصفحات الثقافية في أهم الصحف العراقية. يقول طارق حسين عن هذا "في أول الأمر نشرت قصيدة في جريدة المجتمع وكانت مهداة إلى ابنة الشهيد الشيوعي شاكر محمود الذي قُتل بحادثة اغتيال حيث جاءت القصيدة إدانة مباشرة لهذه الجريمة وقد تزامن النشر مع  المفاوضات بين الحزبين الشيوعي والبعثي حول تحالفهما في (جبهة وطنية موحدة). علمت فيما بعد من محرر الصفحة الصحفي عادل العرداوي بأنه تعرض للتوبيخ من قبل رئيس التحرير بسبب نشره للقصيدة كونها لاتنسجم مع سياسة الجريدة. كانت هذه بداية رحلتي مع الصحف وما أن توالت منشوراتي في معظم الصحف والمجلات العراقية والعربية إذ نشرت لي مجلة الهدف اللبنانية الفلسطينية قصيدة عامية بعنوان (رسالة  إلى صديق أسمع به ولم أره) مهداة إلى مظفر 

النواب". 

لدى حسين تجربة مع القصائد الغنائية التي ظلت محدودة التداول الشخصي في بادئ الأمر لكنها نالت فرصة الشيوع حين ظهرت أول قصائده كمقدمة قصيرة لواحدة من أشهر المسرحيات في الثمانينيات .

" كتبت القصيدة الغنائية التي أعدها واحدة من أهم تجاربي لكنني لم أكن رائدا لفن الشعر وظلت قصائدي الأولى محدودة التداول الشخصي حتى اختار المخرج  حسين عبد أليمة واحدة من قصائدي كمقدمة لمسرحيته ( لعبة الملك والوزير ) بداية الثمانينيات وما أن عرضت المسرحية على مسرح مركز شباب الاسكان في الحلة حتى أصبحت كلمات المقدمة حديث الأوساط الحكومية، في ذلك الوقت اختلفت وجهات النظر حول الاغنية وظنها البعض بشكوى من الحرب العراقية الإيرانية والبعض الآخر وجدها تبث الحزن الداخلي وما أن حل التغيير الدراماتيكي في العراق بعد 2003 حتى تلقفها الملحن  ماجد الشامي  وجاء من بعده المطرب الشاب زيدون حسين الذي شارك فيها بإحدى مسابقات القنوات الفضائية العربية بعنوان ( حلم ) وانتشرت على نطاق واسع حتى أن قناة الشرقية أعدت لها حلقة خاصة كون الأغنية جاءت مغايرة لموجة الأغاني السائدة." 

 ولدى حسين الذي ولد في مدينة الحلة عام 1963 اهتمام كبير في أدب الطفل إذ عمل كمدير تحرير لمجلتي والمزمار وهو واحد ممن أثروا في قصيدة الطفل لاسيما في اثناء توليه منصب مدير دار ثقافة الأطفال كما حصد الجائزة الثالثة في مسابقة نظمتها إذاعة بغداد عام 1975 عن قصائد غنائية في أدب الطفل ورغم اهتمام مؤسسة الاذاعة والتلفزيون بهاتين القصيدتين لكنهما لم تُغنيا ولم تُلحنا لأسباب ظلت

مجهولة". 

يبين طارق حسين "تشكلت علاقتي بدار ثقافة الأطفال من خلال كتابتي لقصيدة الطفل، إذ اتاحت لي العمل في هيئة تحرير ( مجلتي ) ومن ثم اعداد صفحاتها الشعرية وكنت عضوا في لجنة فحص النصوص. وفي العام  2007  كلفت من قبل مدير عام الدار ٱنذاك المرحوم د. شفيق المهدي بفتح فرع للدار في محافظة بابل إضافة لوظيفتي التحريرية وفعلا تم فتح الفرع وأصبح الٱن من أهم الفروع وأكثرها فاعلية وعند إقامة مهرجان بابل عاصمة الثقافة العراقية عام 2008 اختارت اللجنة  التحضيرية للمهرجان والمؤلفة من كبار أدباء وفناني بابل  اوبريت (القمر والحرية) من تأليفي وإخراج الفنان القدير زهير المطيري  وأداء فرقة الاطفال المتبناة من قبل فرع الدار كافتتاح لفعاليات المهرجان وحظيت الفرقة بتكريم مادي باذخ من قبل رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي وقمت بتوزيع التكريم بالتساوي على جميع كادر الفرقة باستثناء حصتي عن التأليف تبرعت بها لمكتبة الطفل و خلال سنوات عملي  في الدار  انصب جل اهتمامي على  كتابة قصيدة الطفل التي تمنحني البراءة والنقاء ولا تسمح لي بمغادرة طفولتي هناك وحصدت الكثيرمن الجوائز، جائزة وزارة الثقافة لأفضل انشودة مدرسية وجائزة هيئة النزاهة والجوائزالسنوية التي تقيمها دار ثقافة الاطفال ." 

ويتابع "اثناء انشغالي لسنوات طويلة مع الأطفال أدركت أن ادب الطفل واحد من أصعب المجالات الابداعية. عليك ان تغوص بمخيلة طفل لتصل إلى هذه العوالم، كتبت القصائد الغنائية واثناء عملي كمدير تحرير لـ(مجلتي والمزمار) كُنت شديد الحرص على مواصلة العمل وتطويره وفي عام 1973 أعلنت إذاعة بغداد عن إجراء مسابقة لأغاني الأطفال  شاركت فيها بأغنية( ياعيني ياگمرنه) وحصدت الجائزة الثالثة وفي العام  1974 كررت الإذاعة دعوتها للمشاركة بعد أن أصبحت تقليدا سنويا وحصدت الجائزة الثانية عن اغنية( المدرسة)  المفارقة التي حصلت لم تلحن الاغنيتان كلتاهما".

طارق حسين الشاعر الذي عّرفه الجمهور الثمانيني هو واحدٌ من القلائل الذين عرفوا بانحيازهم للوطن والفقراء  وهو يعد الشعر قضية فحافظ على ثوبهِ من ثروة الطغاة " اكتب القصيدة العامية والفصحى بين الفينة والأخرى  الشعر هو الشعر سواء كان عاميا أو فصيحا وبالنسبة لي أعده قضية، فالشاعر موقف والشاعر الحقيقي لا ينبغي أن يكون محايدا او متصالحا مع السلطة أية سلطة طالما أنها لم تحقق العدالة للجميع ".