الأميرة الهندية صوفيا سينغ
ميريل سيباستيان
ترجمة: فجر محمد
لا تزال صوفيا داليب سينغ، الأميرة الهندية التي حاربت من أجل منح النساء حق التصويت في الانتخابات البريطانية، شخصية غير معروفة في بلد اسلافها (الهند) .
ففي العام 1910 كانت ضمن وفد مؤلف من 119 ناشطة نسوية، في طريقهن لمبنى البرلمان، ليحصلن على فرصة للقاء رئيس الوزراء البريطاني هربرت هنري أسكويث في تلك الفترة. لكنه رفض مقابلتهن، فتعرضن للضرب من قبل رجال الشرطة والحشود خارج المبنى.
وتعرض العديد من المتظاهرين لإصابات بليغة، وأطلق على هذا اليوم الجمعة السوداء في بريطانيا. وكانت صوفيا من النساء المعتقلات. وهي ابنة المهراجا السير داليب سينغ؛ آخر إمبراطور للسيخ في البنجاب وكذلك الابنة المعمودية للملكة فيكتوريا (الأم المعمودية هي السيدة التي تحضر مراسيم تعميد الطفل وتتابع تنشئته وفق الديانة المسيحية). الكثير من المعلومات الحالية عن الأميرة صوفيا وردت في البحث المفصل الذي قامت به كاتبة سيرتها الذاتية أنيتا أناند سنة 2015، إذ تم جمع المعلومات من الارشيف وسجلات الشرطة، والاستخبارات والاشخاص الذين عرفوها شخصيا آنذاك، بوصفها الأميرة المنادية بحقوق المرأة الانتخابية والثائرة.
ولدت صوفيا سنة 1876 وكان ترتيبها الخامس بين ستة ابناء، للملك داليب سينغ من زوجته الأولى بامبا مولير. فقد كان الملك منفيا منذ سن الصبا من الهند إلى بريطانيا، بعد استيلاء الاخيرة على مملكته سنة 1849، ووضعت اليد على ماسة (كوهي نور) التي لا تقدر بثمن (وهي من أغلى وأفخم أنواع الماسات في العالم، وتم تسليمها إلى الملكة فيكتوريا بعد ضم شركة الهند الشرقية البريطانية مملكة البنجاب إليها سنة 1849، عندما كان الملك طفلا في الحادية عشرة من عمره. وكان تسليم تلك الماسة جزءا من معاهدة عقابية أبرمتها بريطانيا ضد البنجاب.
وبحسب كاتبة السيرة، ترعرعت الأميرة صوفيا في مقاطعة سوفولك البريطانية، لكنها عاشت طفولة صاخبة ومضطربة. فقد تم نفي والدها داليب سينغ مرة أخرى إلى فرنسا عام 1886 بعد عدة محاولات فاشلة من قبله لاستعادة عرشه، ثم ترك عائلته غارقة بالديون. ونظرا للعلاقة الوثيقة التي ربطت الأسرة بالملكة فكتوريا، فقد حصل أفرادها على منزل لهم ومبلغ سنوي من مكتب الهند، التابع للحكومة البريطانية.
شبابٌ مضطربٌ
وعندما كبرت صوفيا منحتها الملكة فكتوريا شقة جميلة في قصر هامبتون كورت، ثم خرجت في تظاهرة لاحقا خارج هذه الشقة لنيل حق التصويت في الانتخابات.
كتبت المؤرخة إليزابيث بيكر في كتابها (حملة حق المرأة البريطانية): «تعلمت صوفيا منذ سن مبكرة، أن ترتب وضعها بين وضع مريح ومضمون لها كفرد ضمن النخبة البريطانية، وبين مكانتها غير المفهومة لأنها امرأة هندية تعيش في بريطانيا في ظل ذروة الامبراطورية البريطانية».
زارت صوفيا الهند أربع مرات فقط، وجميعها خضعت لمراقبة بريطانية مكثفة، خشية من أنّ وجود عائلتها يثير المعارضين في الهند.
بين عامي 1906 و1907، إلتقت صوفيا بالمناضلين «غوبال كريشنا غوخال» و»لالا لجبات راي» في لاهور (باكستان) وتأثرت بخطاباتهم وحججهم السياسية. وبعد بقائها ستة أشهر في الهند حفزها الضغط لتقرير مصير بلادها. وبعد عودتها إلى لندن عام 1908، أنضمت صوفيا إلى الإتحاد الاجتماعي والسياسي للمرأة لنيل حق الاقتراع بقيادة الناشطة السياسية البريطانية ايميلين بانكهورست. وانضمت لاحقا إلى رابطة رفض الضرائب النسائية، التي رفعت شعار لا تصويت، لا ضرائب».
شاركت صوفيا في تلك التنظيمات بكل حيوية ونشاط، وفي عام 1911 ألقت بنفسها على سيارة رئيس الوزراء بينما كان يغادر شارع داوننغ، وهي تحمل لافتة كتب عليها (أعطوا النساء حق التصويت)، وفي العام نفسه تركت صوفيا استمارة التعداد السكاني فارغة، وامتنعت عن دفع الضرائب.
وفي صورة تعود إلى عام 1913 تقف الأميرة صوفيا خارج قصر هامبتون كورت حيث كانت تعيش، وهي تبيع نسخًا من صحيفة (سفراجيت) بجوار لوحة كتب عليها «ثورة!» وبفضل هذه الصورة أصبحت صوفيا أحد وجوه المجلة الاسبوعية، وهي مبادرة ابتكرها الإتحاد النسوي لتجنيد المزيد من الاعضاء في بريطانيا.
تحدثت الصحف عن مصادرة مجوهرات الأميرة، وبيعها بالمزاد العلني لعجزها عن دفع الضرائب. فقد اعتقلت صوفيا أكثر من مرة، وبعكس رفيقاتها كانت التهم ضدها تسقط كل مرة.
أشار كتاب (مقاومة جنوب اسيا في بريطانيا) للمؤرخة سوميتا مخيرجي، إلى تسليط الأميرة صوفيا الضوء على حركة حق الاقتراع، والاستفادة من لقب الأميرة لصالح القضية دون الخضوع للاستجواب وتحدي المسؤولين، لكن وجودها فرض المزيد من التدقيق على الحركة.
حرب ضدها
وبحسب بيكر، فإن الموظفين الكبار في مكتب الهند، جمعوا قصاصات صحفية ومذكرات متبادلة للأميرة، تتعلق بشؤونها الشخصية والمالية للسيطرة على تصرفات والدها الامبراطور سينغ بوصفه عضوا مسيسا من الشتات الهندي في بريطانيا. واعتبرت الكاتبة بيكر الأميرة صوفيا جسرا مهما يربط بين نشطاء الهند ونظرائهم البريطانيين في حملة حقوق الاقتراع للمرأة.
بحلول العام 1918 أقر البرلمان البريطاني اصلاحا قانونيا، يتيح للنساء فوق سن الثلاثين حق الاقتراع، اذا ما استوفين بعض المؤهلات المتعلقة بالملكية. ثم جاء امتياز المساواة مع اقرانهن الذكور بعد عشر سنوات.
رافقت صوفيا عام 1919 الناشطين السياسيين ساروجيني نايدو وآني بيسانت إلى مكتب الهند في لندن، ضمن وفد من النساء الهنديات للقاء وزير الخارجية. واستمع لهن الوزير دون تقديم اية وعود. تروي أنيتا أناند في كتابها كيف ازعج تسليط الضوء على الأميرة الهندية صوفيا الملك جورج الخامس آنذاك، الذي كان مناهضا لحق الاقتراع. ولكنه لم يتخذا غجراء ضدها لأن البرلمان كان يسيطر على مواردها المالية بشكل مطلق.
خلال الحرب العالمية الاولى اشتركت الأميرة في قضايا أخرى، منها رعاية الجنود الجرحى الهنود في بريطانيا، وجمعت الأموال لهم. ثم عادت إلى الهند في زيارة أخرى عام 1924، عاقدة العزم على السفر إلى البنجاب. وبينما كانت تعبر مملكة السيخ القديمة برفقة أختها «بامبا» كانت الحشود تبكي وتهتف باسمها، ثم زارت الاميرتان موقع مذبحة «جاليانوالا» التي وقعت عام 1919 عندما اطلقت القوات البريطانية النار على مئات الهنود واردتهم قتلى.
خلال الحرب العالمية الثانية تركت صوفيا لندن برفقة شقيقتها كاثرين وثلاثة من المنفيين باتجاه باكينغهمشير. وأمضت الأميرة أعوامها الأخيرة برفقة مدبرة منزلها وصديقتها جانيت التي وصفت لأناند، كيف إن التصويت كان قضية مهمة بالنسبة للأميرة.
توفيت الأميرة الهندية سنة 1948 وعمرها 71 عاما، ونقلت إلى باكستان بناء على وصيتها ولكن لم يعرف مكان نثر رماد الجثة بالتحديد. وما زال الكثيرون يعتزون بذكراها في بريطانيا، اذ كشف النقاب مؤخرا عن لوحة لها في منزلها القديم ومن المنتظر عرض فيلم عن حياتها مطلع العام المقبل.
موقع بي بي سي البريطاني