حسن عوده الماجدي
في الوقت الذي دعا فيه الإسلام إلى التّمسك بالعشيرة فيما يكون في طاعة الله وبغرض الوصول إلى رضاه، نهى الإسلام عن إتّباع العشيرة، في ما كانت عليه العرب من عصبيّة ونصرة للعشيرة في باطلها وحقّها، فقد سئل الإمام جعفر الصّادق (ع) قيل يا بن رسول الله أيكون من العصبية حب الرّجل لأهله وعشيرته وقومه، قال، لا، العصبية (أن تجعل من شرار قومك خيراً من خيار غيرهم)، لا يخفى على المتلقّي الكريم في تعريف العشيرة، هي الجماعة التي ترجع إلى عقد واحد، وهي مشتقّة من العشرة العدد المعروف، وحيث أنها تعتبر نفسها عدداً كاملاً، فقد سمّي أقرباء الرّجل الذين يكمل بهم عشرة، والعشرة أو الأكثر من ذلك يلتزمون بمجموعة من العادات والتّقاليد المشتركة، وكذلك لها نظام خاص بها، وهو عبارة عن مجموعة من الأحكام الجزائية، التي يخضع لها الجّميع في معاقبة المسيء، إذ تصل العقوبة في بعض الأحيان إلى الطّرد والتّنكيل، ويطلق على هذا كلّه العرف العشائري، حيث دأبت العشائر أي عشائر الأمس على هذا المفهوم، الجّدير بالتّذكير أنّ الأنبياء والمرسلين قد استعانوا بعشائرهم، ومنهم الرّسول الأكرم محمد (ص) قد خاطبه الرّحمن (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ)، ويبدو أن لهذا الإنذار مجازيا، يؤيد بلا شك بأنّ الانتماء الصّادق للعشيرة والذّود عن حياضها بلا تعصب ولا تفاخر يدل دلالة واضحة لدور العشيرة الرّيادي في المجتمعات البشرية، بالرّغم من آلياتها البسيطة في حل أخطر المعضلات، ناهيك من أنّ ساحتها في حل النّزاعات حاسمة وقطعيّة لا تخضع للّتميز والاستئناف، كما يصار في المحاكم الرّسمية للدّعاوى المنظورة أمام القضاء، والّتي قد تستغرق أشهرا وسنوات، وهذا ما يخلق شعوراً للنّاس بعدم جدوى الأجراء القضائي المترّهل أصلاً، لذلك حزم النّاس أمرهم نحو الأعراف العشائرية، مع أنّ هذا أي العرف لم يكن بالقاعدة الذّهبية اتجاه المحددات الشّرعية، لكنه مستساغ من حيث الحل السّريع وطمر الفتنة، أمّا عشائر اليوم وبعد التغييّر لعام 2003 أصبحت تخوض في زحمة الاستغراق والتّشظّي، بعد أن راح المستغلون والمنتفعون في الوقت الرّاهن يوجهونها نحو الخطأ، لمناصرة المحسوب ضد الغريب، وغض النّظر عن مطابقة الفعل وتبعاته، ولعل الأكثر إثارةً هو إصرار دعاة الباطل على باطلهم، وإن أدّى بهم إلى استخدام القوة واللّجوء إلى التّصفية الجسدية، لا سيّما بوجود الأحزاب المختلفة، التي تكيل من أموال الدّولة الوفير باستخدام المغفّلين من عشائر اليوم الّذين استغفلهم أصحاب الغرض السيئ، من أجل الخضم المتشرّه وإغرائهم من قبل السّاسة الجدد، كالحصول على السّيارات والمسدسات والبطانيات، وهذا ما تجسّد فعلاً من خلال الآتي:
مجالس الإسناد الطّارئة على الدّولة والشّريعة والقيم العشائرية الأزليّة.
استحداث مديرية في وزارة الدّاخلية باسم مديرية شؤون العشائر، الطّارئة هي الأخرى على عشائرنا الكريمة، والتي لا تشبع ولا تسمن مجرّد أسماء وعناوين برّاقة، والجّلوس في الغرف الفارهة، وتناول الشّاي الممزوج بالهيل، وإعداد الولائم الباذخة لبعض الأسماء التي تفتقر لحقيقة السّلم المجتمعي، إذ وصل التّمادي للأعضاء أن يدعو السفيرة الأمريكية ألينا رومانسكي على وليمةٍ في أحد المضايف لشيوخ العشائر، وهم يتزاحمون للسّلام عليها ومسرورون بلقاء المحتلّة الأجنبية، إذ داروا ظهورهم عن مهمة الأصل عمّا يجري في المحافظات الجنوبية، الأجدر في هذا هو التّواجد الميداني هناك، والوقوف على سر الفتنة وطمرها في مهدها قبل استفحالها.
التّواجد للقطعات الأمنية والمنحدرة أصلاً من العشائر المتاخمة لها، وهذا ما يعزّز الانفلات والمجاملات والمفاسد بين هذا وذاك، لذا نتوسّم بأصحاب القرار ومن يهمهم الأمر إجراء المناقلة للقطعات الأمنية الماسكة بين الجنوب والغرب، درءاً للمؤثرات المذكورة.