انفصام الشخصيَّة .. اضطراب وتبدّل في المشاعر والسلوك

من القضاء 2019/05/04
...

ترجمة/ نادية المختار 
يعرف مرض انفصام الشخصية، على أنه اضطراب مزمن وشديد ومعرقل. يتسم صاحبه باضطراب التفكير، وتبدل طارئ في المشاعر والسلوك. والأشخاص الذين أبلغوا عن سماع أصواتهم أو لديهم قلق هم أكثر عرضة للتشخيص الخاطئ. 
فالعلاجات يمكن أن تختلف على نطاق واسع للأشخاص الذين يعانون من انفصام الشخصية أو الاضطراب الثنائي القطب أو الاكتئاب الشديد أو أنواع خطيرة أخرى من الأمراض العقليّة، وأن التشخيص الخاطئ يمكن أن يؤدي الى سوء التشخيص أو تأخّر العلاج.
في دراسة بحثية دقيقة أجريت من قبل أطباء وعلماء النفس في جامعة هوبكنز الطبية، على مرضى طيف الفصام، وجدوا خلالها أن نحو نصف الأشخاص الذين أحيلوا الى العيادات النفسية على انهم مصابون بمرض انفصام الشخصية هم في الواقع ليسوا كذلك وقد يكونون أصحاء تماما. 
ويؤكد الاختصاصيون، ان النتائج تشير الى أن الآراء الثانية في عيادة متخصصة بالفصام بعد التشخيص الأولي هي جهود حكيمة للحد من خطر التشخيص الخاطئ، وضمان علاج سريع ومناسب للمريض. 
وفي السنوات الأخيرة سلّط الضوء على علامات الذهان الناشئة والمبكرة. وبذلك، فإن تشخيص مرض الفصام مشكلة، خاصة لغير المتخصصين.  
تقول الدكتورة كريستا بيكر، مديرة خدمات مرضى الانفصام للبالغين في جامعة طب جونز هوبكنز: “بما أن الأعراض يمكن أن تكون معقدة ومضللة، يمكن أن تكون الأخطاء التشخيصية مدمرة للناس، وخاصة التشخيص الخاطئ للاضطراب العقلي”.
ووفقا للمعهد الوطني للصحة العقلية، يصيب الفصام ما يقدر بنحو 0.5 بالمئة من سكان العالم، وهو أكثر شيوعا عند الرجال. وبشكل نموذجي يزداد هذا المرض عند أواخر سن العشرين حتى بدايات الثلاثين عند النساء.  
وقد تؤدي بعض الأعراض مثل التفكير غير المنتظم والهلوسة والأوهام وتقليل المشاعر والسلوكيات غير المعتادة الى تعطيل التفكير، وغالبا ما تخلق العلاجات الدوائية آثارا جانبية صعبة. 
 
أدلة وبيانات 
وتجدر الاشارة الى ان هذه الدراسة الجديدة كانت مدفوعة جزئيا بالأدلة التي تشير الى عدد لا بأس به من الأشخاص الذين تم خطأ تشخيص اصابتهم بمرض الفصام. ولكن بطريقة ما عانى هؤلاء المرضى من أمراض عقلية أخرى، مثل الاكتئاب. 
ولمعرفة ما إذا كان هناك دليل صارم على هذا الاتجاه، نظر الباحثون في بيانات لثمانين حالة أُحيلت الى عيادات تخصصية في مركز جونز هوبكنز الطبي، للتشاور بين 2011-2017 وبلغ متوسط عمر المرضى 19 عاما، 70 بالمئة منهم رجال. وتمت احالتهم الى العيادات التخصصية من قبل الأطباء وأخصائيي الأمراض العصبية أو علماء النفس. 
استغرقت كل استشارة في العيادة ثلاث الى أربع ساعات، شملت مقابلات مع المريض والأسرة، والفحوصات البدنية، والاستبيانات، والتاريخ الطبي والنفسي والاجتماعي. ومن بين المرضى الذين تمت احالتهم الى العيادة، كان 54 مريضا تم تحديد تشخيصهم مسبقا باضطراب طيف الفصام. ومن بين هؤلاء، تلقى 26 مريضا تشخيصا مؤكدا باضطراب طيف الفصام من قبل أطباء عموميين وأطباء نفسيين مرخصين.
 تمت اعادة تشخيص 51 بالمئة من الحالات الـ 54 باضطرابات القلق أو سوء المزاج. وكانت أعراض القلق بارزة في 14 من المرضى الذين تم خطأ تشخيصهم.
أحد الأعراض الأكثر شيوعا التي يعتقد الباحثون أنّها ربما تكون قد أسهمت في التشخيص الخاطئ لمرض انفصام الشخصية، يتمثل بسماع المريض أصواتا، إذ أبلغ جميع المرضى الذين تم تشخيصهم بشكل غير صحيح عن هلوسة سمعية. 
يقول البروفسور راسيل مارجوليس، أستاذ الطب النفسي والعلوم السلوكية والمدير الاكلينيكي لمركز جونز هوبكنز للفصام في المركز: “سماع الأصوات هو أحد أعراض العديدة من الحالات المختلفة، وأحيانا تكون مجرد ظاهرة عابرة ذات أهمية ضئيلة. وفي أوقات أخرى عندما يبلغ أحدهم عن (سماع أصوات)، قد يكون هذا بيانا عاما عن الضيق بدلا من أن يكون تجربة حرفية لسماع صوت. فالنقطة الأساسية هي أن سماع أصوات لا يعني ضرورة التشخيص بمرض انفصام الشخصية”. 
وفي التكهّن حول أسباب أخرى لحدوث الكثير من التشخيصات الخاطئة، يقول الباحثون، انه يمكن أن يكون ذلك بسبب التطبيق المبسط للغاية للمعايير المدرجة في الدليل الاحصائي التشخيصي للاضطرابات العقلية، وهو دليل قياسي لتشخيص الاضطرابات النفسية. 
خدمة استشارية دقيقة 
يقول مارجوليس: “أنظمة السجلات الطبية الالكترونية التي تستخدم في كثير من الأحيان قوائم تشخيص منسدلة، تزيد من احتمال حدوث هذا النوع من الخطأ.  وعلينا الاقرار بأن الرسالة الكبيرة التي نأخذها من دراستنا، هو أن الخدمات الاستشارية الدقيقة التي يقدمها الخبراء تكون مهمة جدا، ومن المحتمل أن تكون غير مستغلة في الطب النفسي بالشكل المفروض وان كان من غير قصد. فمثلما يقوم طبيب الرعاية الأولية باحالة مريض مصاب بسرطان محتمل، الى طبيب أورام، أو مريض مصاب بمرض قلبي محتمل الى أخصائي أمراض القلب. فمن المهم لممارسي الصحة العقلية العامة الحصول على رأي ثان من عيادة متخصصة في الطب النفسي لمرضى حالات مربكة أو معقدة أو قاسية. مما قد يقلل من احتمال فقدان أحد الأعراض أو تفسيره”.