عمر فاروق
ترجمة: بهاء سلمان
تعتبر الحكومة التركية “عبد القادر يابكان” شخصا خطرا للغاية لدرجة عدم استكمال اجراءات تسليمه الى دولته هنا في تركيا. وظهر في المحكمة من خلال مقطع مصوّر من مركز الاحتجاز حيث هو موقوف منذ ثلاث سنين، بينما يكافح الجهود الساعية الى ارجاعه الى الصين لمواجهة تهم تضعه في خانة الارهابيين.
وخلال جلسة استماع عقدت شهر آذار الماضي، كان يابكان يراقب بصمت الى أن أشار أحد الشهود الى شينجيانغ، المقاطعة الكائنة غربي الصين حيث يتركز سكن أفراد أقلية الإيغور المضطهدين. “شرق تركستان،” هكذا قاطع يابكان الشاهد، مستخدما تسمية استقلال موطنه الذي يتصوّره بمعية الآخرين.
لا للعنف
ويؤكد يابكان ومناصريه عدم تأييده مطلقا لأية أعمال عنف، وهو مستهدف بسبب نشاطه السياسي. وصارت قضيته نقطة محورية ضمن الشجب الدولي للصين على اجراءاتها الصارمة الوحشية ضد الإيغور، الأقلية التي ينظر لتديّنها بالإسلام وثقافتها التركية بكثير من الشك من قبل الحكومة. وتقول الأمم المتحدة باحتجاز أكثر من مليون إيغوري وأفراد آخرين لأقليات تركية أخرى في معسكرات الاعتقال داخل الصين، وهي ممارسة وصفها وزير الخارجية الأميركي مؤخرا بالـ”كريهة”، مطالبا بايقافها فورا.
بيد أن الاجراءات الصارمة تمتد الى الخارج أيضا، مع سعي الصين لاستعادة أفراد من شتات الإيغور تدعي بمسؤوليتهم عن هجمات ارهابية كثيرة، برغم اشارة المدافعين عن حقوق الانسان والحكومات الغربية لكون الأدلة غالبا واهية. “يابكان الأول في قائمة المطلوبين للصين،” هكذا قال الشاهد الذي التقاه في سجن صيني سنة 1993 في جلسة الاستماع، مضيفا: “اذا تمكنوا منه، سيعدموه ألف مرة.”
وأشار الشاهد الى تعرّض يابكان في الصين لأساليب تعذيب رهيبة، تضمنت قلع الأظافر والصعق بالكهرباء والحبس الانفرادي، وهي نفس المعاملة التي تنتظره حين عودته. وأكد الشاهد للمحكمة، ومعه أربعة آخرون، عدم صحة الاتهامات الموجهة للناشط الإيغوري، من تأسيسه ودعمه لمنظمة إيغورية ارهابية مرتبطة بتنظيم القاعدة، واذا تمت اعادته الى الصين، ستتم محاكمته واعدامه بسرعة.
خارج قاعة المحكمة، لوّح مئات من مناصري يابكان بأعلام شرق تركستان الزرقاء والبيضاء اللون، ورفعوا لافتات تقول “لا تنخدعي يا تركيا”. وبرغم الشهادة لصالحه والدعم الشعبي، وقرار المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان سنة 2016 بعدم ارساله الى الصين، قررت المحكمة ابقاءه رهن الاحتجاز مع بقائها بالنظر في الأدلة.
تعمّد التجريم
تركيا، التي ترتبط بعلاقات ثقافية وتأريخية مع الإيغور، كانت داعمة لهذه القومية ولم تعيد مطلقا أي ناشط منهم؛ لكنها مثل العديد من الدول الأخرى، تزيد من جهودها بغية التودد للاستثمارات الصينية. وستعقد الجلسة القادمة شهر آيار القادم، الا إن بطء نظام المحاكم التركية ربما سيعمل على تأخير إصدار القرار لأشهر أو حتى سنين.
ولا يجادل المنتقدون للصين وجود مئات الإيغور المنضمين لمنظمات مرتبطة مع القاعدة في سوريا، ودعوتهم لشن هجمات ضد بكين؛ لكن مجاميع حقوق الانسان تقول بعدم امكانية الوثوق بالمحاكم الصينية لتصنيف من يمثل تهديد حقيقي للأمن، ومن يدافع فقط عن حقوق الإيغور بشكل سلمي.
يقول “رافايلو بانتوتشي”، مدير دراسات الأمن الدولي في مؤسسة الخدمات الإتحادية الملكية في لندن: “هناك فارق هائل بين الذهاب للقتال في سوريا، وبين إبداء الغضب مما يحصل لقوم الإيغور داخل الصين. الدليل المقدم من السلطات الصينية غالبا ما يكون بدون تفاصيل، بالتالي لا يسعنا مطلقا الوصول لحالة المعرفة التامة ان كنا نتعامل مع شخص تم ارساله لشن اعتداء من قبل منظمة ارهابية، أو أفراد يتم الايحاء لهم لفعل ذلك.”
وحظرت ألمانيا والسويد ترحيل الإيغور، لكن إرجع مئات منهم الى الصين من باكستان وكمبوديا وماليزيا ومصر وتايلند. تقول “صوفي ريتشاردسون”، مدير فرع الصين لمنظمة هيومان رايتس ووتش: “أشرنا لفترة طويلة بضرورة أن تكون الحكومات حريصة للغاية حين النظر بطلبات اللجوء للإيغور، لأنه غالبا ما يتم ارجاعهم ويختفون في مطامير مظلمة داخل الصين، وهذا الأمر حقيقي حاليا أكثر من أي وقت مضى.”
في شباط الماضي، وبعد تقرير أكد موت إيغوري يمتهن الموسيقى الفولكلورية، ولديه شعبية في تركيا، أثناء احتجازه في الصين، وصفت الحكومة التركية سياسة الاستيعاب الممنهجة ضد الإيغور الترك بكونها وصمة عار كبرى للإنسانية؛ ليهدد السفير الصيني انه في حال استمرار تلك الانتقادات، ف”ستنعكس سلبا على العلاقات التجارية والاقتصادية.”
أفعال سلمية
وكان يابكان قد غادر الصين سنة 1997 مستخدما جواز سفر مزوّر، ووصل الى السعودية وباكستان، لينضم الى مجموعة صغيرة وناشطة للمنشقين الايغوريين. وانتقل الى تركيا سنة 2002، وعاش حرا هناك لغاية استجابة الحكومة للضغوط الصينية، لتحتجزه اعتبارا من آب 2016. وتقول الحكومة الصينية بمساعدة يابكان بتأسيس الحركة الإسلامية لشرق تركستان، وهي مجموعة تدعو لكفاح مسلّح ضد بكين، وهو ينكر انتماؤه لها.
ومع ذلك، كان دائما ما يظهر على تلفزيون الاستقلال، وهي قناة تبث باللغة الايغورية مقرها اسطنبول، حيث كانت حواراته تمتد لساعات مشحونة بتقريع عاطفي ضد الصين.
يقول “سيت تومتورك”، رئيس التجمع الوطني لشرق تركستان: “ليس ليابكان أية روابط مع أية جهة ارهابية، لكنه كان يعمل بالتأكيد على المستوى الاجتماعي، ويتحدث لوسائل الإعلام كافة ضد الاضطهاد في الصين. ما كان يفعله ويقوله يابكان كنت أفعله أنا أيضا، وهذا بحد ذاته لا يعد جريمة.”
وكان وزير الخارجية الأميركي بومبيو قد التقى مؤخرا بمجموعة من الإيغور في واشنطن لجلب الانتباه لقضيتهم: “نعمل على اقناع الصينيين بكون هذه الممارسات كريهة وينبغي ايقافها.” أما “سام براونباك”، السفير الدولي المتجوّل للحريات الدينية، فقد شجب الحكومة الصينية لاساءتها التعامل بشدة ضد الأقليات الدينية: “الصين في حالة حرب مع المعتقدات الدينية، لكنها حرب لن تكسبها.”
ويقول براونباك باثارته لقضية الاعتقالات الكثيرة للمسلمين الإيغور مع السلطات الصينية خلال زيارته الأخيرة للصين، لكن الرد كان بتكرار الادعاءات بكون السجون عبارة عن مجمعات للتدريب على المهن. ولطالما ادّعت الصين بكون الهدف من المعسكرات هو لمحاربة التطرّف والانفصال والارهاب، غير أن حجم الاعتقالات دق جرس الإنذار لدى العديد من الحكومات الغربية، ويؤكد براونباك انه يسعى لرد أميركي قوي، ربما يتضمن فرض عقوبات اقتصادية على الصين.
صحيفة لوس انجليس تايمز