القيم الوافدة وأخلاق المجتمع

آراء 2023/08/28
...

  ود حميد 


الاحترام، الصدق، الأمانة، حسن التعامل مع الآخرين والرحمة وغيرها من القيم الأخلاقية، كلها باتت من الأمور التي لا يُحتذى بها وقلة ما نشاهدها في تعاملنا مع الناس، حيث انخفض المستوى الأخلاقي خلال هذه الفترة بشكل ملحوظ جداً، والأسباب كثيرة ولعلَّ بعضها متصل في البعض الآخر، فمن الأمور التي ساهمت بهبوط هذه القيم. 

اولاً: الانفتاح الذي حصل في العقدين الأخيرين على العالم، وما أتبعه من قلة الرقابة من الأهل، فاليوم المراهقون وبعض الأطفال يقضون ساعات طويلة جداً من اليوم أمام هواتفهم وهم في مرحلة عمرية لا يفرقون بين الصحيح والخطأ، الصالح والطالح، المفيد والضار، فصاروا يلتهمون كل ما يُوضع أمامهم من أفكار، مفردات، ومناهج سلوكية والطامة الكبرى أن بعض الأهل هم من يضعون الطفل أو المراهق في هذه الزواية، فهم من يشجعونه ويجلبون له الهاتف أو "الآيباد"، وفي أحيان كثيرة تجدهم على سفرة الطعام كلاً أمامه هاتفه أو جهازه الذكي، بعد أن كان هذا الوقت من اليوم هو المناسبة لاجتماع الأسرة ومناقشة مجريات اليوم، لتقويم الإعوجاج وتصحيح الخطأ، هذا الأدمان غيّب أساسيات مهمة في تريبة الطفل أو الشخص السوي، كتعلميه أهمية تنظيم اليوم وتوزيع النشاطات بين الرياضة والقراءة، التي تنمي الأخلاق وتشذبها، وبين وقت الطعام واللعب والنوم واحترام خصوصية كل وقت، فبدلاً من هذا كله أُختزل كل وقت وكل النشاطات في الهاتف والجهاز الذكي، لينهل سلوكيات ومفردات وأخلاقيات ما أنزل الله بها من سلطان.

ثانياً: كانت في السابق المدرسة هي ليست مكانا للتعلم فقط، بل لتربية والإرشاد وتصحيح ما قد يغفل عنه الأهل بعض الأحيان، ولهذا سميت الوزارة التابعة لها بالتربية والتعليم وقدمت التريبة على التعليم، لكن للأسف غياب المناهج الأخلاقية وعدم الاهتمام بتعليمها وعدم توعية المعلمين بالطرق الأرشادية والسلوكية الصحيحة لتهذيب الطلاب ساهمت هي الأخرى بتجريد المدرسة عن وظيفتها الحقيقية في التريبة، بل إن المعلم اليوم في أحيان كثيرة قد يُعاقب أو يُشجب من قبل الأهالي إن رأى سلوكا غير سوي لدى الطالب وحاول تصحيحه.

ثالثا: الدين والأخلاق وجهان لعملة واحدة (إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلَاقِ)، وأغلب الأديان جل تركيزها إن لم يكن كله هو المنهج الأخلاقي، وللأسف ونحن في دولة دينية نوعاً ما ففي الوقت الذي ظهرت فيه بكثرة المدارس الدينية والمساجد والحسينيات والكنائس ودور العبادة، التي يجب أن يكون دورها الأساسي هو تقويم المنهج السلوكي والأخلاقي للفرد والمجتمع نرى العكس، ولعلي أوعز السبب المهم والرئيس أن منهجية أغلب الدعاة والواعظين، تعتمد على ترهيب وتخويف ولا أنكر أن التخويف والترهيب مطلوبان في الكثير من المواضع، ولكن رأس الموعظة باعتقادي هو الدعوة بالحب، لأن التخويف يخلق مجتمعا منافقا يتحدث عن مكارم الأخلاق والصدق والأمانة، وفي تطبيق العملي وسلوكي يكون أول ما يتخلى عنه ويتركه لأنه لم يغرس الفكرة بداخله بالقناعة والحب واللين، بل بتهديد والوعيد، حل الموضوع متشعب ويحمل شقين مهمين وأساسين، هما ما يترتب على الأهل من مراقبة الطفل والمراهق، وحتى الشاب غير الناضج، والعودة لغرس القيم الأخلاقية فيه وتربيته، وخير ما يساعد في هذا تطبيقها على نفسه، ليكون بذلك قدوة لطفله والعودة إلى زج الطفل في الأنشطة الطبيعية، كالقراءة والتعليم وبعض الأمور، التي من شأنها شحد وتهذيب همم وأخلاق الشخص، الشق الثاني هو ما يترتب على الحكومة ووزارة التريبة من العودة للعمل بالمناهج الأخلاقية والارشادية، وجعلها مواد أساسية ومهمة، وليست ثانوية ومهمشة وتفعيل الدروس الثقافية والجلسات النقاشية في الصف أما وزارة الثقافة فيقع على عاتقها الكثير مما لا أستطيع حصره في هذا المقال.