حمزة مصطفى
في كل الدول الديمقراطية ونحن من جملتها كوننا نجري انتخابات برلمانية كل اربع سنوات، تتشكل الحكومات على أساسين أو عبر طريقين لا ثالث لهما، اما حزب واحد يفوز بالاغلبية المريحة ويشكل الحكومة، أو ائتلاف بين حزبين أو ثلاثة أو اكثر.
في الحالة الأولى الحزب الفائز هو الذي يتحمل المسؤولية نجاحا واخفاقا.
ففي حال نجح قد يعود إلى السلطة ثانية وثالثة، وهو ما حصل في تجارب ديمقراطية عديدة في عالمنا حتى في الدول الديمقراطية، بل التي تعد نموذجا متقدما في الديمقراطية، مثل بريطانيا أو في دول أخرى صنفت على أنها نمور، ومنها ماليزيا وسنغافورا في اسيا.
وفي حال فشل فإن هذا يعني خسارته الاغلبية التي لا تؤهله لتصدر المشهد ثانية.
الأساس الثاني هو ان تتحالف مجموعة أحزاب بما يجعلها تضمن الاغلبية فتشكل الحكومة.
اين تجربتنا العراقية التي هي كما زعمت ديمقراطية؟
حتى الآن لا تتشكل الحكومات عندنا لا عبر حزب واحد أو عبر مجموعة أحزاب.
الحكومات تتشكل وفق النظرية السبعية إن جاز التعبير.
والمقصود بالنظرية السبعية هي ان حكوماتنا تتشكل على قاعدة " لوكلنا لو السبع ياكلنا" أو بمعنى مقارب آخر هو سفينة
نوح.
والواقع أن كل هذه " اللوفات" التي استخدمتها بين السبعية أو النوحية، هي تجميل لأقبح مفهوم أو مصطلح أو تجربة، وهي المحاصصة العرقية والمذهبية.
من المعروف أن القوى السياسية العراقية، التي أدمنت المحاصصة وتشبعت بها، حاولت مرتين وبخجل بالغ في تجاوز المحاصصة.
الأولى كانت عام 2018 حين تشكل تحالفان "نصف" عابرين للعرقية والمذهبية وفشلا عند أول هبة نسمة هواء خفيفة ففشلا في تشكيل الحكومة، التي سقطت بعد أقل من سنتين.
المحاولة الثانية مرت بمرحلتين بعد انتخابات عام 2021.. المحاولة الاولى وتمثلت بالتحالف الثلاثي الذي مثل أغلبية نصف عرقية.
نصف مذهبية فاسقطها الثلث المعطل.
المحاولة الثانية هي التي تمثلت في ائتلاف إدارة الدولة، الذي يعد الداعم الأساسي للحكومة الحالية التي يترأسها محمد شياع السوداني.
لهذا الائتلاف ميزات وعيوب.
ميزته الأساسية هي أنه ائتلاف يمثل أغلبية برلمانية كبيرة قادرة على تمرير اي حكومة وعلى سحب الثقة منها.
كما أنه قادر على تمشية أي مشروع تتقدم به الحكومة.
وفي حال أخفق اي وزير من الحكومة التي تشكلت بدعمه يمكن سحب الثقة منه
بسهولة.
اما عيوب هذا الائتلاف وهنا تسكب المزيد من العبرات فهي أنه ليس أحزابا ببرامج تختلف عن بعضها من حيث الايديولوجيات، لكنها تتفق من حيث الأهداف التي تضمن نجاح الحكومة انطلاقا من التوافق على برنامجها الحكومي، بل هو عبارة عن مكونات عرقية ومذهبية، وهو ما يعني أن التوجهات والمواقف والسياسات قد تختلف بل وقد تتناقض مع بعضها، وهو ما ينعكس سلبا على الحكومة وأدائها في النهاية.
فالحكومة بشخص رئيس وزرائها وبعض فريقه الوزاري تعمل بكل جدية من أجل تنفيذ برنامجها الحكومي، الذي صادق عليه البرلمان وفي مقدمة من صادق عليه الائتلاف الداعم للحكومة وهو ائتلاف الدولة.
لكن الذي نلاحظه الآن أن الحكومة بدأت تتحمل بعص وزر اخفاقات هذا الائتلاف، خصوصا لجهة تعارض بعض توجهاته مع طريقة أداء الحكومة، التي تريد أن تعمل طبقا للبرنامج، الذي عرضته أمام الناس واطلع عليه الجمهور ووجد فيه بارقة أمل في تجاوز الكثير من العثرات والاخفاقات السابقة.
يضاف إلى ذلك أن هناك من بدأ يحمل الحكومة مسؤولية عدم شفافية تعامل بعض أطراف وقوى الائتلاف الذي يفترض انه داعم بينما العكس هو الصحيح.
فالنقد يجب أن يوجه إلى الائتلاف لا الحكومة، طالما انها تريد أن تعمل وتعيد هيكلة جسم الدولة الاداري المترهل، فضلا عن جهودها في مكافحة الفساد، الذي لا يزال يصطدم بالعديد من الارادات السياسية المتعارضة.
والواقع أن هذين الملفين ملف اعادة هيكلة جسم الدولة الإداري المترهل.
وملف مكافحة الفساد يعدان من الاولويات التي تحتاج إلى دعم كامل، فضلا عن ملف الخدمات.
ومع أنه ليس من مصلحة اي طرف، سواء كان موالاة أو معارضة الوقوف بالضد أو محاولة وضع العصي امام عجلة التغيير نحو الأفضل، خوفا من النجاح الذي لايخدم بعض الجهات لهذا السبب أو ذاك، فإننا كلما اقتربنا من موعد اجراء الانتخابات المحلية يرتفع صوت المزايدات الحزبية على حساب ما ينبغي أن يتحقق للمواطن، وهو الهدف الذي تسعى الحكومة اليه.
ولعل أحد مصاديق ذلك إعلان السوداني عدم دخوله الانتخابات المحلية المقبلة، لكي يتفرغ لتنفيذ برنامج الحكومة.